100%
حليم سلمان
يشكّل النفط شريان الحياة للاقتصاد العراقي، إذ إنه يوفر للموازنة العامة أكثر من 90 % من إيراداتها، وهذا الاعتماد المفرط على مصدر دخل واحد، بالرغم من فوائده الكبيرة، يكشف هشاشة البنية الاقتصادية للعراق ويعمّق الأزمات مع كل هبوط في أسعار النفط.
ولكن ماذا يمتلك العراق غير النفط؟..
يمتلك العراق رصيدًا هائلًا من الإمكانات والفرص الاستثمارية التي يمكن أن تمهد الطريق نحو التنويع الاقتصادي، إذا توفرت الإرادة السياسية والبيئة الملائمة.
ينظر المستثمرون إلى العراق اليوم على أنه بلد غني بالثروات الطبيعية والفرص السوقية الواعدة، إلا أنه يواجه، في الوقت ذاته، تحديات جدّية، منها: البيروقراطية المعقدة التي تعرقل سرعة اتخاذ القرار، الفساد، وضعف البنية التحتية والخدمات المصرفية.
يقود هذا التناقض، بين الإمكانات الواعدة والواقع الصعب، إلى تردد المستثمرين الأجانب في دخول السوق العراقية، على الرغم من الحاجة الماسة إلى الاستثمارات في مجالات إعادة الإعمار والطاقة والزراعة، وسعي الحكومة الحثيث إلى اطلاق التشريعات المناسبة لحماية المستثمر والاستثمار.
رغم هذه التحديات، يبقى العراق سوقًا خصبة في عدد من القطاعات، منها: الزراعة التي تعد حقلًا منافسًا إذا استُثمرت الأراضي الخصبة والموارد المائية بكفاءة عالية، وكذلك الطاقة المتجددة (الشمسية)، وهي فرصة واعدة في بلد يسجّل معدلات سطوع شمسية عالية طوال العام، فضلًا عن التكنولوجيا بفضل القاعدة الشبابية الواسعة (أكثر من 60 % من السكان دون سن الخامسة والعشرين)، إذ يمكن أن تكون هذه القوى الشابة رافعة للتحول الرقمي وريادة الأعمال إذا ما تم تمكينها.
يمثل الموقع الجغرافي للعراق ميزة استثمارية فريدة، فهو حلقة وصل بين الخليج وتركيا وإيران وسوريا والأردن، وهذا الموقع الستراتيجي يؤهله لأن يكون ممرًا رئيسًا للتجارة الإقليمية ومركزاً لوجستيًا دوليًا، إذا ما استُثمر في تطوير الموانئ والطرق وشبكات السكك الحديدية، كما يمكن للمشروعات الإقليمية مثل "طريق التنمية" إعادة رسم خريطة الاقتصاد العراقي إذا جرى تنفيذها بفعالية.
إن تحويل هذه الطموحات إلى واقع يحتاج إلى إصلاحات جذرية، أهمها مكافحة الفساد، وتبسيط الإجراءات، وتحديث النظام المصرفي، وضمان بيئة آمنة للمستثمرين، وهذه الخطوات لم تعد ترفًا، بل أصبحت شرطًا أساسيًا لتحريك عجلة الاقتصاد وجذب رؤوس الأموال إلى داخل العراق، فالثقة هي العامل الأهم للمستثمر، وهي تبنى من خلال الاستقرار السياسي والمؤسسات الشفافة.
في السنوات المقبلة، ومع انتظار إطلاق رؤية 2050، سيتضح ما إذا كان العراق سيظل أسيرًا لاقتصاد ريعي هش، أم أنه سينجح في إطلاق تنمية مستدامة قائمة على التعدد، على أن يأخذ في الحسبان أن النفط سيبقى موردًا مهمًا، لكنه لن يكون كافيًا بمفرده في عالم يتجه نحو الطاقة النظيفة والاقتصاد المعرفي.
يبقى السؤال: هل يغتنم العراق هذه الفرصة التاريخية قبل أن يفوته القطار؟