100%
خالد السليطي
تصوير/ خضير العتابي
في لحظة فارقة من تاريخ العراق، اجتمعت نخبة من الأكاديميين والباحثين والمفكرين من داخل البلاد وخارجها في المؤتمر العلمي الدولي ""العراق: الدولة والمجتمع خلال قرن""، الذي احتضنته العاصمة بغداد وسط أجواء علمية وثقافية نابضة بالحيوية. جاء هذا المؤتمر ليسلط الضوء على التحولات الكبرى التي شهدها العراق منذ تأسيس دولته الحديثة قبل أكثر من مئة عام، مرورًا بمراحل التأسيس، والصراع، والبناء، والانفتاح، وصولًا إلى تحديات الحاضر وآفاق المستقبل.
تناول المشاركون في المؤتمر، الذي نظمه قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة، بالتعاون مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، عبر جلسات بحثية مكثفة، العلاقة المعقدة بين الدولة والمجتمع، وكيف أثرت السياسات، والحروب، والتغيرات الاجتماعية، والتحولات الاقتصادية في تشكيل الهوية الوطنية العراقية.
كما ناقشوا دور النخب السياسية والثقافية، وتفاعل المجتمع المدني، وتطور الخطاب الديني والقومي، في رسم ملامح العراق الحديث.
الدولة الحديثة
تحدث البروفيسور الفرنسي هنري لورنس، وهو أستاذ في "كوليج دو فرانس"، متخصص في التاريخ المعاصر للعالم العربي، عن نشأة دول الشرق الأوسط، كما نعرفها اليوم.
ويرى أن نشأة الدولة الحديثة في الشرق الأوسط مرتبطة بالأزمات الشرقية التي بدأت منذ القرن الثامن عشر، وأن مشكلتها تكمن في هشاشتها الناتجة عن تدخلات القوى الكبرى وصراعات الهويات، موضحًا أن هذه الدول لم تتشكل بشكل طبيعي، بل كانت نتاجًا لتفاعلات معقدة بين القوى الاستعمارية، والصراعات القومية، والدينية، والجغرافيا السياسية.
ويرى لورنس أن دورة عدم الاستقرار التي بدأت عام 2003 وتسارعت بعد 2011 ليست استثناء، بل استمرار للأزمات الشرقية.
تناول لورنس الفترة من حرب الخليج إلى غزو العراق، مسلطًا الضوء على كيفية تحول المنطقة إلى ساحة نفوذ أميركي، حيث ارتبطت السياسات العسكرية بخطابات إنسانية مثل "نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان."
اهتمام فرنسي
كان الحضور الفرنسي لافتًا في المؤتمر، إذ ألقى السفير الفرنسي في العراق باتريك دوريل كلمة خلال افتتاح ندوات المؤتمر، لكن المشاركة الأكثر أهمية هي للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى برئاسة الدكتور كامل دوراي وعدد من أساتذة الجامعات والباحثين الفرنسيين.
سلّط دوراي الضوء على أهم أنشطة المعهد في العراق، قائلًا إنه يلعب دورًا محوريًا في دعم البحث العلمي والتعاون الثقافي في العراق، خاصة في مجالات الآثار والتاريخ والتراث، ويُعنى المعهد بالعلوم الإنسانية والاجتماعية منذ العصور القديمة حتى اليوم، ويعمل على تطوير المعرفة العلمية في العراق بالتعاون مع مؤسسات بحثية محلية، ويهدف إلى الحفاظ على التراث الثقافي المادي وغير المادي وفقًا للمعايير الدولية.
يتولى دوراي مسؤولية التنسيق العلمي في المؤتمر، ويُعد من أبرز الباحثين الفرنسيين المختصين بالعراق والشرق الأوسط، وسبق أن نشر دراسات حول الهوية الوطنية، السلطة، والتحولات الاجتماعية في العراق، ويسعى من خلال هذا المؤتمر إلى تجديد الحوار الأكاديمي بين الباحثين العراقيين والدوليين، وفتح آفاق جديدة لكتابة التاريخ العراقي المعاصر.
نجاح تنظيمي
بذل بيت الحكمة، ولاسيما قسم الدراسات التاريخية، الذي يرأسه الدكتور حيدر قاسم، جهودًا كبيرة أثمرت عن تنظيم ناجح لهذا المؤتمر.
يذكر الدكتور حيدر أن "الغاية من تأصيل تعاوننا مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، وبقية مراكز الفكر المحلية والدولية - على السواء - هي تحقيق المعالجة الفريدة للتحديات العالمية المعقَّدة، وإتاحة فرصة تبادل المعرفة والموارد، وتسريع وتيرة البحث العلمي، وتعزيز الابتكار والتنمية المُستدامة، وتعميق الفهم العالمي، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأخيرًا، الإسهام في بناء ثقافة السلام والاستقرار العالمي من خلال هذهِ الشراكات والتبادل الثقافي والعلمي."
أما عن اختيار موضوع المؤتمر، فيقول: "كان موضوع هذا المُلتقى، الذي نأى بهِ قسم الدراسات التاريخية في بيت الحكمة، بالتعاون مع المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، دليلًا على الاهتمام الكبير بمعالجة واحدةٍ من القضايا الشائكة والمثيرة للجدل من تاريخ عراقنا المعاصر.
هذا المُلتقى الذي يمزج بين دفَّتيه العلوم الاجتماعيةِ والسياسيةِ والتاريخية، في محاولةٍ لتفسير التطورات السياسية والتفاعلات الاجتماعية بكل أشكالها، وظاهرة الانقلابات العسكرية، وحالات الاستقرار أو عدم الاستقرار السياسي، وانتشار ظاهرة العنف السياسي، اعتمادًا على مقاربة العلاقة بين الدولة والمُجتمع.
هذهِ العلاقة التي من شأنها أن تُفسر لنا تعدُّد أشكال وتباين أنظمة الحكم في تاريخ عراقنا المُعاصر."