100%
علي لفتة سعيد
رغم ندرة زراعته في العراق، لا تزال بعض الأراضي الخصبة في قضاء الجدول الغربي، التابع لمحافظة كربلاء المقدسة، تحتفظ بإرث زراعي عريق يتمثل بزراعة التنباك، أحد أهم أصناف التبغ المستخدم في الأركيلة.
هذه الزراعة التي توارثها الفلاحون جيلًا بعد جيل، تكاد تختفي اليوم بفعل الإهمال وغياب الدعم الحكومي، رغم ما تتمتع به من مردود اقتصادي جيد وإمكانية تطوير واعدة.
لا يعلم كثير من العراقيين أن هناك مناطق في البلاد دأبت، منذ عشرات السنين، على زراعة التنباك، وبخاصة في كربلاء، وتحديدًا في قضاء الجدول الغربي، الذي تُعد تربته ومناخه مثاليين لهذا المحصول.
وعلى الرغم من التوقف المؤقت عن زراعته في مراحل سابقة، نتيجة الظروف الاقتصادية والسياسية، فإن بعض الفلاحين قرروا العودة إلى الأرض، مستعيدين عاداتهم الزراعية، ومراهنين على جدوى هذا النوع من المحاصيل النادرة.
محصول نادر
يقول ياسر الشمري، مدير إعلام الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية التعاونية في كربلاء، إن التنباك، وهو نوع من أنواع التبغ المستخدم في صناعة المعسل، يمتاز بخصائص تجعله مفضلًا في (الأركيلة)، لما له من طعم خاص ورائحة مميزة.
ويجري تسويقه ليس فقط في كربلاء، بل يمتد توزيعه إلى بعض المحافظات المجاورة، ما يجعله مصدر دخل محلي يمكن البناء عليه وتطويره، ليكون بديلًا عن المعسل المستورد، الذي غالبًا ما يُتهم بكونه مغشوشًا أو ضارًا بالصحة.
ويذكر (الشمري)ان زراعته لم تكن طارئة على المنطقة، بل إنها تمتد إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، حين دخل هذا النوع من المحاصيل إلى العراق عن طريق الهند.
وقد نجح في أراضي قضاء الجدول الغربي بفضل خصوبتها وقربها من مصادر المياه، مثل نهر الفرات وشط الهندية وفروعهما.
ويشير إلى أن التنباك ينتمي إلى العائلة الخبازية، ويُعد من النباتات المجهدة للتربة، إذ يحتاج إلى عناية دقيقة وكلف مرتفعة، إذ تصل كلفة زراعة الدونم الواحد إلى مليون ونصف المليون دينار عراقي.
ويبين أنه من أكثر الأصناف زراعة، هو الصنف الهندي، المعروف بجودته العالية رغم قلة إنتاجه.
إلا أن بعض الفلاحين اتجهوا نحو الصنف الأميركي لوفرة محصوله.
وبرغم محدودية الدعم، لا يزال بعض الفلاحين يتمسكون بهذه الزراعة، معتبرين أنها جزء من التراث الزراعي للمنطقة، وفرصة اقتصادية يمكن أن تتحول إلى قطاع حيوي إذا ما توفرت البيئة الملائمة لذلك.
شهادة من الحقل
الفلاح رضا الجراح، أحد المزارعين القلائل الذين لا يزالون يمارسون زراعة التنباك، يقول: "نحن نزرع هذا المحصول منذ زمن بعيد، ورثناه عن آبائنا وأجدادنا.
صحيح أنه يتطلب جهدًا كبيرًا، لكن نتائجه مجزية.
فإنتاجية الدونم تتراوح بين طنين إلى ثلاثة أطنان، وسعر الطن الواحد يتجاوز ثلاثة ملايين دينار. "
ويضيف: "نبدأ بزراعة الداية في شهر كانون الأول، وتُغطّى بالبلاستيك لتحميها من برد الشتاء.
ثم ننقلها إلى الأرض الدائمة منتصف شباط بعد عملية (التمريز).
بعدها تبدأ مراحل متعددة تشمل (التنزيز) و(التتريب)، ثم نصل إلى مرحلة (قطف الخروص)، وهي الأشد صعوبة، لأنها تتطلب حرصًا عاليًا للحفاظ على الأوراق.
تُجفّف الأوراق وتُملّح في عملية نُطلق عليها محليًا اسم (التتنيگ)، ثم تُعبّأ وتُجهّز للبيع." يشير الجراح أيضًا إلى أهمية استخدام الأسمدة العضوية والكيميائية، فضلًا عن السقي المنتظم، مؤكدًا أن المحصول بحاجة إلى رعاية دقيقة من البداية حتى الحصاد.
مطالب بالدعم
من جهته، يوضح رئيس الاتحاد المحلي للجمعيات الفلاحية التعاونية في كربلاء المقدسة، جواد الكَريطي، أن زراعة التنباك تراجعت بشكل لافت بعد عام 2003، ويقول: "كنا نزرع سابقًا نحو 3000 دونم بهذا المحصول، أما اليوم فالمساحات تقلّصت إلى ما بين 20 إلى 25 دونمًا فقط." عازيًا السبب إلى ارتفاع تكاليف الزراعة، وعدم وجود دعم حقيقي من الجهات المعنية، بالإضافة إلى مزاحمة التبغ المستورد، الذي يُباع بأسعار أقل.
يتابع الكريطي حديثه، محذرًا من أن هذا المحصول يواجه خطر الاندثار، ما لم تُسارع الدولة إلى إنقاذه من خلال توفير المستلزمات الزراعية بأسعار مدعومة، وتقديم القروض للفلاحين، والأهم من ذلك إعادة تشغيل معامل إنتاج التبغ التي كانت تشتري المحصول من الفلاحين المحليين، وهو ما يشجع على توسيع المساحات المزروعة ويُعيد إحياء المنتج الوطني.