100%
عبد المنعم الأعسم
يقول بعض من المهتمين والكتّاب عن الشخصية العراقية إنها شخصية متطرفة، ويردّ آخرون أنها شخصية مسالمة، تتطرف حين تتضايق، أو يُضيّق عليها. ويزعم، غير أولئك وهؤلاء، أن العراقي مسكون بشهامة حارة، وأحيانًا سخية، تصل حد الافتداء بالروح حين تُمتحن. فيما يذهب أكاديميون ومتخصصون في علم نفس المجتمع أن الأمر يتعلق بالجينات، والمكونات البدوية للشخصية العراقية، بحسب الدكتور علي الوردي، الذي توسع في إدخال البداوة، وردود أفعالها المتطرفة في حشوات نظريته الاجتماعية عن تاريخ العراق المعاصر، وصارت مصدرًا للكثير من المعاينات، قبل أن تظهر في الآونة الاخيرة آراء تقلل من سلامة الأحكام القاطعة للوردي.
على أن جميع القراءات، ذات الصلة بموضوع التطرف في المجتمع العراقي، تستند إلى أحداث مرّت، وصراعات ضربت العراق طوال مائتي عام، وقد اجتُزئت من سياقها المدوّن، ووضعت في غير محلها من أجناس التطرف، ومصادره، وتجلياته. لكن، في كل الأحوال، ما يهم هو الحقيقة الماثلة أمامنا: أن ثمة حالة انفعال مجتمعي عارض، موصول بمرحلة انتقال من دولة مركزية صارمة إلى دولة مفتوحة الخيارات، وقد طالت عليها استحقاقات عملية الانتقال، الشديدة التعقيد.
أما الحديث عن الجينات كمصدر لـ (أصالة) هذا التطرف والعنف في ثقافتنا وسلوكنا، فيبدو أن شيئًا من هذا صحيح، معبرٌ عنه في محاولات الدفاع الغريزية عن الرأي، والتخندق في مفرداته الضيقة، وفي الغيرة الفياضة على الانتماء البيئي، مهما كان محدودًا، أخذًا بالاعتبار أن (طفرات) اجتماعية كبيرة حدثت في أمزجتنا، وفي العلاقات والمصالح بين الشرائح والثقافات الوطنية العراقية، الأمر الذي يؤكد الحاجة إلى الدراسات العلمية والقراءات المتأنية، الحذِرة في هذا الميدان، وأقول الحذرة وفي البال كتاب مثير أصدره العالم البريطاني (ريتشارد دوكينز) بعنوان (الجينة الأنانية)، الذي يذهب إلى القول "إن كل شيء مكتوب في كروموزوماتنا." وتضمن رصدًا عن تأثير الجينات على التكوين البشري، ما اعتبر، من قبل كتّاب غربيين مناهضين للعنصرية، أنه فاشية جديدة (محسّنة)، فيما تداخل أستاذ علم الجينات في مختبر كلاسكو (وايت ريتش) بالقول "لا نستطيع نفي أثر الجينات في السلوك، فإن الجينات ليست بريئة تمامّا من عصبيات العنف والتطرف."
أما الباحثة (مريام فيرد) فقد استبعدت، في دورية (المراهقة) الأميركية، صحة هذا الاستنتاج، وذكرت أن "دماغ الإنسان والشمبانزي يكونان بنفس الحجم عند الولادة، وأن دماغ الشمبانزي ينمو بنسبة 28 % عند سن البلوغ، بينما ينمو دماغ الإنسان بزيادة تقدر بنسبة 300 %، وهذا يعني أن معظم أجزاء أدمغتنا تنمو وتكبر بعد الولادة، وأن البيئة الاجتماعية هي المسبب للعنف."
من زاوية معينة، يمكن رصد آراء توصلت إلى حل وسط، يميز بين تأثير الجينات وتأثير البيئة، وهو ما جاء في أحدث الدراسات وأكثرها انتشارًا، إذ لاحظت أن الظاهرات الجديدة في المجتمعات العنفية (الإفريقية مثلًا) قللت من مكانة الجينات في سلوك الإنسان، وأعطت البيئة دورًا أكبر في جملة مكونات الشخصية، من دون أن يحسم العلماء الأولوية في التأثير بين الجينات والبيئة.