100%
رضــا الـمـحـمــداوي
في مسلسل (لَمّ الشمل)، يواصل الفنان علي فاضل تثبيت بصمته الفنية المتميزة في إنجازه لأعماله الدرامية على مستوى التأليف والإخراج معًا، التي كان قد بدأها تحديدًا في مسلسل (غيد)، وبعدها مسلسل (العائلة×)، وأخيرًا مسلسل (لَمّ الشمل).
في تقديمه أعماله الدرامية هذه اعتمد (فاضل)صيغة، أو أسلوب، (ورشة الكتابة)، التي يشترك فيها أكثر من ثلاثة (كُتّاب) يعملون معًا، بشكل جمعي، على تأليف النص الدرامي، قبل أن يوَقّع على عنوان التأليف باسمه الشخصي.
تهيمن الموضوعات الاجتماعية على الأعمال الدرامية التي قُدمت بهذا الأسلوب التأليفي، الجمعي – الفردي، حين يجري التقاط الظاهرة الاجتماعية الطافية على السطح، ليغوص في أعماقها ويثير مسبباتها، ويتوقف عندها وما يجاورها من ظروف وملابسات. وهو في عمله الأخير يتناول ظاهرة الهجرة إلى خارج العراق، التي طالما شهدها المجتمع العراقي على شكل موجات متعاقبة خلال حقب تاريخية متعددة وبأسباب مختلفة.
العنوان المراوغ ..!
يجعل المسلسل من عنوانه (لمّ الشمل) عنوانًا مخاتلًا ومراوغًا، فهو يوحي بالمعنى المتعارف والمتداول له، المتعلق بالهجرة، لكنه يقصد معنى آخر، ذلك لأن تلك الهجرة لمْ تحدث بالرغم من كل المحاولات، وأنَّ العنوان عبارة عن تمويه للرحلة، أو الهجرة الداخلية، التي سيقوم بها الزوجان: جهاد (أثير كشكول)، وسحر (جمانة كريم)، في أعماق المجتمع الذي يريدان الهجرة منه والهروب من مشكلاته والتخلص من معاناته.
وداخل أحداث المسلسل وأفعال الشخصيات، تتداخل الموضوعات والأفكار العامة و( الموتيفات) المعروضة، ومع أنها تبدو طافية على السطح، لكنَّ جذورها تلامس الأعماق الدفينة للأسباب والظواهر الاجتماعية السلبية.
وبرغم القناعات المتفاوتة ووجهات النظر المتقاطعة بين(جهاد) و(سحر) بشأن موضوع الهجرة التي توصلهما إلى حد الطلاق، إلا أنّ المسلسل حاول تبيان أنَّ فكرة الهجرة إلى أميركا فكرة خاطئة وأن البقاء في العراق، بالرغم من مشكلات ومنغصات الحياة العراقية الصعبة، هو أفضل بكثير من الهجرة والغربة. واستثمر المسلسل هذه المنطقة الرخوة والمسافة القلقة لإثارة مجموعة من الموضوعات والأفكار، ومنها الطلاق المتسرع بين الزوجين.
أفكار وموضوعات
داخل عائلة (جهاد) نفسها، ومن خلال زوج الأُم عبد الباقي (أسعد عبد المجيد)، يُثار موضوع التفكك الأسري، إضافة إلى استشراء الطمع الذي يصل إلى حد حرق البيوت التراثية، ومن خلال محاولة توظيف (جهاد) في المستشفى، يجري الكشف عن الفساد الإداري والمحسوبية ودفع الرشوة، فضلًا عن سوء التعامل اليومي في دوائر الدولة ومن ثم ظاهرة الاعتداء على الكوادر الطبية من قبل المراجعين، ليثير بعدها موضوع العنف العشائري والصراع الحضاري، الذي ما زال قائمًا بين القانون الوضعي والعرف العشائري، وما ينجم عنه من غياب المنطق والعقل وسط الفوضى وغياب القانون.
ومن خلال شخصية زياد (جرير عبد الله) زوج الأُخت فرح (شاهندة)، ننتقل إلى محور مافيات الاستيلاء على الأراضي السكنية. وبواسطة سرى (إسراء ياسين)، أخت سحر، وزوجها وليد (بهاء خيون)، تطرح معاناة الأفراد المصابين بمرض التوحد. قبل أنْ يطرح موضوع تجارة الأدوية الممنوعة، التي سرعان ما تختلط بتجارة المخدرات.
الخيانة الزوجية كانت حاضرة في الخط الدرامي الثالث للمسلسل من خلال مروة (نورا ضياء) وزوجها أنس، الذي حاول الاعتداء الجنسي على سحر أثناء مراجعتها للحصول على جواز السفر المُزوّر.
ومع أن صانعي المسلسل قاموا بإنشاء(حبكات) ثانوية أُخرى مؤازرة لمحور فكرة الهجرة الرئيسة، وتأسيس خطوط درامية موازية، إلّا أنّ المسلسل كان بحاجة إلى وجود خط درامي مواز في بعض الحلقات والمشاهد من أجل توفير فرصة الانتقال والإيجاز والتكثيف الزمني وحذف الزمن الدرامي الفائض، الذي أخذ كثيرًا من مساحة وزمن بعض الحلقات (مشاهد مجلس العزاء مثلًا).
الأسلوب الإخراجي
يعتمد الأسلوب الإخراجي المميز لدى(علي فاضل) -أساسًا- على إلغاء التقطيع الفني (المونتاج الداخلي) للمشهد الواحد، أو اللقطة الواحدة، ومحاولة الإبقاء على الحيوية والتدفق الحياتي للإيقاع العام للمسلسل، مع تداخل الحوارات بين الشخصيات داخل المشهد، أو اللقطة، وهو أسلوب يقترب كثيرًا من ملامح وصفات الواقعية (التسجيلية)، التي يحرص المخرج على توفيرها وإشاعتها داخل الحلقات والمسلسل برمته.
في التمثيل، بدا الفارق واضحًا بين جمانة كريم وأثير كشكول في أدائهما التمثيلي للشخصيتين الرئيستين، فـ(جهاد)، الشخصية المستلبة، الحائرة، المترددة، التائهة، التي تعيش حياة زوجية باهتة، لا ارتباط عاطفيًا فيها، جَسَّدَها (أثير..) بأداء هادئ، وعوّل فيها كثيرًا على الانفعال الداخلي المكبوت، وإنْ كان بحاجة لأن يكون أكثر حدة وانفعالًا ممّا ظهر فيه في بعض المشاهد والحالات من حيث الأداء والتأثير، في حين اعتمدتْ جمانة على الانفعال الأدائي المُعبّر عنه بالفعل الخارجي لشخصية (سحر)، الجافة عاطفيًا، الصعبة المراس، وبشعور الأنانية الطاغي والأنوثة المفقودة، التي حرمتها حتى من الإنجاب بعنادها وأسلوب تعاملها البارد، وكأن استقالتها من وظيفتها قد أقالتها من ممارسة حياتها الزوجية الطبيعية حتى قبل طلاقها!