100%
سامر السبع
تصوير / علي كيتو
تستحضر رواية (القبو) لأحمد سعداوي (منشورات نابو، بغداد، 2025) صورة العراق وهو يقف على مفترق حاد بين ذاكرة دامية وواقع يتنازع فيه الصوت الفردي والجمعي.
منذ البداية، لا يظهر القبو كمكان مغلق فقط، بل كمساحة مكتظة بالذاكرة، حيث تتسرّب الأسرار وتتحول إلى هزّات داخلية تعصف بالجدران وتنعكس على الخارج.
من خلال شخصياته، يرسم سعداوي شبكة متداخلة من المصائر: وسام، الذي حمله المنفى إلى أوربا، لكنه ظل عالقًا بزجاجة الأرواح التي تخبئها أمه في خزانة ملابسها، ورضا، الذي انكفأ سبع سنوات في ظلام القبو متخفيًا عن أعين النظام الديكتاتوري السابق، وبنات فطيّم، اللاتي ورثن من "هيلة" و"موشِلْنَة" إرثًا غامضًا يربطهن بعالم "البين"، حيث تختلط خطوات الجن مع البشر.
مفاتيح القراءة
يعتمد الكاتب الحكايات الشعبية، لا مجرد خلفية زخرفية، بل مفاتيح لقراءة الحاضر: احتجاجات تشرين، وانقسام العائلات، وأشباح تتربص من وراء الأبواب المغلقة. يتحوّل القبو إلى استعارة كبرى: مكان يحتشد فيه الخوف والصمت والرجاء، ويغدو صدىً للواقع السياسي الذي استعاد صور الانتفاضة وصراع الحياة والموت في الشوارع.
مع ذلك، ينسج النص هذه الصراعات مع الخيال الماورائي، إذ توكل إلى النساء، من نسل "هيلة"، مهمة حماية العالم من شرّ يلوح خلف أبواب "البين". لكن انقساماتهن، ومنازعات الغيرة والتوجس، تشلّ قوتهن وتفضح عجز العائلة، هذه المرآة الصغيرة للمجتمع، عن التماسك في مواجهة الخطر.
أمومة ممزقة
تتجاور أصوات الماضي وأساطير الأهوار والمواويل مع مشاهد الإنترنت المقطوع والدماء في الساحات، فيبني النص جسورًا بين الأزمنة، ويمنح الرواية بعدًا ملحميًا يتجاوز خصوصية المكان.
على المستوى الإنساني، (القبو) حكاية عن الروابط المتصدعة بين الآباء والأبناء، عن الأمومة الممزقة والخوف من فقدان الأحبة، وعن الإرث الذي يحمي ويقيّد في آن. العائلة هنا سجن وملاذ، حضن وجدار. أما على المستوى الأسلوبي، فيمضي سعداوي في مزج اللغة الشعبية ومفردات الأزقة والحارات مع حساسية أدبية درامية، تجمع بين الواقعية السياسية والواقعية السحرية.
عزلة وأسرار
تمرّ الرواية على محطّات مهمّة لأربعين سنة من التاريخ السياسي والاجتماعي العراقي، وتقيم حبكتها الدرامية الأساسية على شخصيات من الهامش الاجتماعي، ولاسيما أجيالًا عدّة من مجتمع النساء، ومعاناتهن خلال تلك العقود.
(القبو) ليست مجرد رواية عن العراق وحده، بل عن مجتمعات مماثلة ترزح تحت ثقل تاريخها. إنها رواية عن العزلة والأسرار والرطوبة التي تتسرب من الجدران، وعن سؤال يتردّد بلا إجابة: "هل يمكن الخلاص من القبو؟ أم أنه قدرٌ لا مهرب منه؟"
جاءت الرواية في 336 صفحة وخمسة عشر فصلًا، وحفلت بالعديد من الهوامش التي توضّح المفردات الشعبية العراقية للقارئ العربي، وهي الرواية السابعة للمؤلف، الذي أشتهر بروايته (فرانكشتاين في بغداد)، التي حاز عليها العديد من الجوائز العربية والعالمية.