الكتابة عن البيئات المحليّة

اعمدة

الكتابة عن البيئات المحليّة
100%
أحمد سعداوي لم يجعل غابرييل غارسيا ماركيز من بوغوتا، عاصمة بلده كولومبيا، مركزًا لأحداث رواياته وقصصه، على الرغم من أنه عاش شطرًا من حياته فيها. إنما مدينته الساحلية على البحر الكاريبي في الشمال، أراكاتاكا، والمدن المجاورة لها، هي التي انتزع منها سمات مدينته الخيالية ماكوندو. بل إنه ضمّن روايته (خريف البطريرك) عبارات وجملًا قال عنها إنها لن تكون مفهومة إلا لسائقي التكسيات في بارانكيا، المدينة الكاريبية الأخرى. الأمر نفسه نجده عند صديقه وغريمه الكاتب البيروفي بارغاس يوسا، الذي جعل من عاصمة بلده ليما مركزًا لأحداث أغلب أعماله. ويمكن تتبّع هذه الظاهرة لدى غالبية الكتّاب في العالم، بما يجعلها سمة شائعة، وإن لم تكن قاعدة ثابتة. فمثلًا، كتب ميلان كونديرا عن مدن متنوّعة، وكتب فرانتس كافكا عن مدن افتراضية، وله عمل غير مكتمل هو رواية (أميركا)، كتبها من دون أن يزور أميركا، معتمدًا في تفاصيل المكان على دليل سياحي. ما عدا هذا المثال، فإن معظم الكتّاب لا يكتبون إلا عن مدن زاروها، على الأقل، أو عاشوا فيها فترة من حياتهم. هكذا فعل الأميركي إرنست همنغواي في روايته الشهيرة (وداعاً للسلاح) التي تجري أحداثها في إيطاليا. وكذلك اضطر الكاتب الكندي يان مارتل إلى الإقامة في الهند أربع سنوات ليبني التفاصيل الدقيقة لروايته (حياة باي)، التي تحكي قصة مراهق هندي يهاجر لاحقًا إلى كندا. غالبًا ما تعكس الرواية المكتوبة جزءًا من مسار حياة كاتبها وتجاربها. فمناخات كاتب، مثل ألبير كامو، عكست انشطار حياته بين الولادة والفتوّة في الجزائر، والشباب والشهرة في باريس. ويكاد ينفرد الكاتب البلغاري إيليا ترويانوف بحياة استثنائية؛ إذ تنقّل، بسبب الظروف السياسية وعمل والده، بين صوفيا، ونيروبي، وميونيخ، وباريس، ومومباي، وكيب تاون، وفيينا، حتى ليبدو عنوان روايته الأشهر (جامع العوالم) تعبيراً عن حياته هو، لا عن حياة بطله، الرحّالة والمستكشف البريطاني ريتشارد فرانسيس برتون. أما في العراق، فيمكن لمؤرخ الأدب أن يعثر على نماذج كثيرة لروايات وقصص تجري أحداثها في مدن وبلدات متعدّدة. غير أن غالبية السرد الروائي والقصصي يتمركز في بغداد، تنافسها البصرة إلى حدّ ما، بفضل قامات أدبية كبرى مثل محمد خضير، ومهدي عيسى الصكر، ومحمود عبد الوهاب، إلى جانب كتّاب من أجيال لاحقة جعلوا من البصرة فضاءً لأعمالهم. جزء من هذه الظاهرة طبيعي، بحكم أهمية بغداد في مختلف المجالات، وجزء آخر يرتبط بإهمال طويل للحياة الثقافية في المحافظات. وهنا لا نتحدّث عن الكتّاب والكاتبات بحدّ ذاتهم، بل عن المكان والبيئة الاجتماعية باعتبارهما فضاءً للأحداث والتخيّلات الأدبية. أتخيّل الآن وجود مسابقة أدبية وطنية، يرعاها مثلًا اتحاد الأدباء، أو وزارة الثقافة العراقية، تُعنى بالقصص المستلهمة من البيئات المحلية، لتثري المشهد الأدبي، وتفتح أبواب التواصل الداخلي، وتعرّف بالثقافات المختلفة داخل الوطن. أتخيّل.. لا أكثر.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج