سجى رشيد
في زمن تعثرت فيه الفرص وضاقت الأبواب أمام غالبية الشباب، برزت مجموعة من الشابات العراقيات اللاتي اخترن مواجهة التحديات، وتحويل أفكار بسيطة إلى مشروعات اقتصادية ناجحة، تحمل في طياتها تمكينًا اقتصاديًا وحياة جديدة مليئة بالإنجازات. الطموح والإصرار على فتح كل أبواب النجاح، دون كسل أو تذمر، كانا الخطوتين الأوليين في رحلة هؤلاء الشابات، حين حولن التحديات إلى إنجاز يُحتذى به، ليصبحن منتجات، لا مستهلكات فقط. أكسسوارات وباقات هند عامر إبراهيم، إحدى هؤلاء الشابات، بدأت رحلتها بالرغم من أنها لم تتمكن من إكمال دراستها بسبب ظروفها الصعبة، لكنها وجدت في الصبر والعمل طريقًا لتحقيق استقلالها الاقتصادي. تحدثت هند عن بداية مشروعها بقولها: "بدايتي كانت من خلال (بازار) أقيم في روضة ابنتي، حيث طُلب من الأهالي أن يشارك أطفالهم في صنع أشياء يبيعونها ليتعلموا كيف يشتغلون ويكسبون المال في المستقبل. الفكرة كانت جميلة جدًا، فشجعت ابنتي وساعدتها في المشاركة بالبازار، وعملنا معًا على صناعة أكسسوارات من الخرز." أضافت هند: "كما صنعت باقات ورد، فأنا لدي عشق للورد وفنون تزيينه، وكانت المناسبة قريبة من رأس السنة، فحضّرت اثنين من (البوكيهات) لبيعهما كهدايا، ولاحظت إعجاب الكثيرين بالفكرة." تؤكد هند أن الدعم النفسي من العائلة والأصدقاء كان الأساس لمشروعها، فتقول: "بدأت بمبلغ عشرين ألف دينار فقط، مع بعض التلكؤات والمصاعب تمكنت من تجاوزهما، وأثر مشروعي على حياتي الشخصية كثيرًا، فهو ممتع وملهم. كلما عملت في الورود، أو مشاريعي الأخرى، أعمل بحب وثقة، وهذا كان له أثر إيجابي كبير على نفسيً. وتطمح هند أن يكون بها محلها الخاص، وهو حلم تسعى لتحقيقه." متجر إلكتروني النموذج الثاني للنجاح هي شروق عبد الخالق صالح، الحاصلة على البكلوريوس في الهندسة الزراعية، قسم الاقتصاد الزراعي – جامعة تكريت، خريجة عام 2016. بدأت شروق مشروعها التجاري بفكرة بسيطة، بيع مجموعة متنوعة من السلع، مثل مستحضرات التجميل، والملابس، والمفروشات. تحكي شروق عن البداية: "أنشأت محلًا صغيرًا جدًا لبيع هذه المواد المختلفة، مع أن موقع المحل كان غير تجاري وفرعي، إلا أن الكثير من الزبائن، من الأقارب والأصدقاء والمعارف، توافدوا عليه، وكانت المبيعات ممتازة في ذلك الوقت." ثم شرعت في تطوير مشروعها نحو الرقمية، إذ تقول: "افتتحت متجرًا إلكترونيًا سنة 2019، ومن هنا بدأ الإلهام الحقيقي من خلال البيع الإلكتروني. تلقيت الكثير من الدعم والتشجيع من المتابعين، وكان لكلماتهم أثر كبير في تحفيزي على مواصلة مشروعي بأفضل صورة." تطرقت شروق للتحديات التي واجهتها، وأبرزها التعامل مع المبيعات النقدية والتقسيط، قائلة: "أكبر تحدٍ واجهته كان البيع بالتقسيط، لأن التعامل مع الزبائن يختلف من شخص إلى آخر، وكان أبرز الفروقات في مصداقية التسديد. لكن، الحمد لله، تمكنت من تعويض خسائر البدايات من خلال الخبرة المتراكمة في العمل." أضافت شروق أن دعم زوجها كان عاملًا أساسيًا في نجاحها: "نجري عمليات التسوق معًا بالكامل، أما عملية الفرز والتسعير وتصوير المنتجات والنشر، فأنا المسؤولة عنها بشكل كامل. تمكنت بعدها من إنشاء محل تجاري، إضافة إلى حساب تجاري على مواقع التواصل الاجتماعي يحتوي على 39 ألف متابع من مختلف محافظات العراق." واضافت: "أطمح إلى توظيف كادر نسائي يستفيد من خلال العمل معنا، وإن شاء الله سيكون الهدف الأساسي هو توسيع المشروع نحو الأفضل." الرسم على الزجاج في عالم الفن، نجد تجربة درداء مقداد غني، رسامة خريجة السادس الإعدادي، بدأت مشروعها في شهر آب سنة 2024، مختصة بالرسم على الزجاج وأعمال (الريزن) وحفظ الأغراض. تقول درداء: "في البداية لم أكن أعرف أنواع الألوان المناسبة أو كيفية اختيار قطع الزجاج، كما استخدمت نوعًا خاطئًا من مادة (الريزن). تعلمت من أخطائي، وبدأت أبحث وأتعمق في المواد المستخدمة، وعرفت ما هو الجيد والصالح لكل مشروع. كل تجربة، أو إخفاق، كانا يضيفان لي معلومة جديدة في تطوير من مهاراتي." لم يقتصر الدعم على التعلم وحده، بل كان الدعم النفسي والمادي حاضرًا، فتضيف: "كان والدي يوفر لي المستلزمات التي أحتاجها، ويدعمني بكل ما أحتاجه لإنجاح مشروعي وتحقيق طموحي الفني والاقتصادي. كما أن صديقاتي كن يحفزنني على الاستمرار ومواصلة العمل." اليوم، أصبحت درداء تحقق أرباحًا جيدة، وتطمح للوصول لأكبر عدد ممكن من الناس ليعرفوا مشروعها ويثقوا بأعمالها. قصص هؤلاء الشابات تؤكد أن الإصرار والعمل الدؤوب والمثابرة هما مفتاح النجاح، حتى في أصعب الظروف الاقتصادية. من صناعة الإكسسوارات وباقات الورود، إلى التجارة الإلكترونية والفن، حولت مشاريعهن حياتهن، وأصبحن قدوة لكل شابة تسعى إلى الاستقلال المالي وتحقيق طموحها.