أحمد البديري
شهدت بغداد -مؤخرًا- انطلاق المؤتمر الضريبي لتنمية الاقتصاد وتنشيط بيئة الاستثمار، الذي يهدف إلى وضع أسس نظام حديث وشفاف، يحقق العدالة الاجتماعية ويعزز الثقة بالاقتصاد الوطني، ويفتح آفاقًا واسعة للاستثمار والتنمية المستدامة. القطاع الاقتصادي قال رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، في كلمته خلال المؤتمر الذي حضرته "الشبكة العراقية"، إن "الحكومة أولت إصلاح القطاع الاقتصادي واستدامته الاهتمام الأكبر." مبينًا أن البوابة الحقيقية للإصلاح تمر عبر دعم القطاع الخاص وتوفير بيئة جاذبة للمستثمرين ورؤوس الأموال، مع اعتماد المعايير العالمية في ممارسة الأعمال والتحاسب الضريبي، بما يحقق المرونة والعدالة. وأشار السوداني إلى أن العالم يتجه اليوم إلى توحيد الإجراءات والقوانين الضريبية للانسجام مع المعايير الدولية، مبينًا أن العراق حقق تقدمًا ملموسًا في هذا المجال، وهو ما يفتح الباب واسعًا أمام المستثمرين الأجانب والمحليين، ويعزز الشراكة مع القطاع الخاص، ويزرع عوامل الاطمئنان في السوق العراقية. وأوضح أن المؤتمر يهدف إلى تسليط الضوء على خطة الإصلاح الضريبي 2025، وأثرها في الاقتصاد الوطني، ومعالجة تحديات النظام الضريبي الحالي من خلال حلول رقمية ورقابية حديثة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال التحصيل الضريبي، وبناء نظام ضريبي شفاف يشجع على الاستثمار ويدعم الثقة بالسوق الوطنية. التحدي الأكبر وذكر السوداني أن التحدي الأكبر أمامنا يتمثل في أولوية الإصلاح الاقتصادي والتحول إلى اقتصاد متنوع. موضحًا أن العراق يمتلك موازنة إنفاق عام سنوي بحدود 150 تريليون دينار، مقابل إيرادات ضريبية لا تتجاوز الثلاثة تريليونات دينار، وهذه الأرقام تتطلب وقفة ومراجعة جدية. وأكد أن قرارات الإصلاح الاقتصادي كانت في فترات سابقة مجرد شعارات استُغلت في التضليل والضغط على المؤسسات الرسمية، مذكرًا بأن الحكومة رعت في كانون الأول 2023 مؤتمرًا لإصلاح النظام الضريبي خرج بحزمة توصيات مهمة، وقد وُضع قرار مجلس الوزراء رقم (24074 لسنة 2024) موضع التنفيذ، وأعقبه تشكيل اللجنة العليا لمتابعة الإصلاح الضريبي. وأشار إلى أن هذه الجهود أثمرت عن اهتمام متزايد من قبل المستثمرين الدوليين. لافتًا إلى أن الحكومة عملت على زيادة الموارد غير النفطية، وبالرغم من غياب البيئة السياسية والاجتماعية الداعمة، لكنها حققت قفزة نوعية، إذ ارتفعت الموارد غير النفطية من 7 بالمئة عام 2022 إلى 14 بالمئة عام 2024. وأضاف السوداني أن الحكومة لن تسمح بفرض أية زيادات ضريبية تخلق مناخًا طاردًا للأعمال، أو تمس العدالة الاجتماعية. موضحًا أن العوائد الضريبية ارتفعت في عام 2024 بنسبة 26 بالمئة عن العام الذي سبقه، وبنسبة 3 بالمئة إضافية في النصف الأول من 2025. وأكد أن التحول الرقمي عزز القدرة والدقة في الإجراءات الضريبية، وأن منصة الاستعلام الضريبي أنهت حالات التشابه في الأسماء والتأخير والفساد، فيما أُنجز نظام وصولات دفع الضريبة إلكترونيًا بعد أن كان ورقيًا. كما أشار إلى تواصل الحكومة مع شركات عالمية متخصصة لتطبيق أعلى المعايير الدولية. لافتًا إلى أن مسودة قانون ضريبة الدخل الجديد اعتمدت المعايير الدولية مع الحفاظ على العدالة الاجتماعية، وتقديم سماحات ضريبية لذوي الدخل المحدود. وأفاد بأن القانون الجديد سيكون صديقًا لبيئة الأعمال، وداعمًا للاقتصاد الأخضر والمشاريع الناشئة، وأن اللجنة العليا أنجزت ورقة سياسات خاصة بالتحاسب الضريبي للشركات النفطية لمعالجة العقبات أمام عملها، فيما أسهم توحيد الإجراءات الضريبية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان في تسهيل معالجة ملفات الجامعات والمصارف الأهلية. واختتم السوداني كلمته بالتأكيد على أن ما يتحقق من إصلاحات ضريبية يمثل رسالة واضحة للمواطن بأن إدارة موارده تسير بالشكل الأمثل ولمصلحته المباشرة. النظام الضريبي من جانبها، أكدت وزيرة المالية طيف سامي أن العراق يشهد تقدمًا ملموسًا في مجال الإصلاح الضريبي. مشددة على التزام الحكومة بتطوير النظام الضريبي بما ينسجم مع المعايير الدولية ويسهم في تنويع مصادر الإيرادات غير النفطية وزيادة الموارد المالية للدولة. وقالت وزيرة المالية في كلمتها خلال المؤتمر إن "هذا المؤتمر يعكس التزام الدولة، وبإشراف مباشر من رئيس مجلس الوزراء ووزارة المالية، بتطوير النظام الضريبي وتعزيز الشفافية والعدالة." وأضافت أن الوزارة عملت، خلال الفترة الماضية، على تنفيذ البرنامج الحكومي عبر إصلاحات واسعة شملت تحديث التشريعات والتعليمات الضريبية، وتطوير آليات المحاسب الضريبي، وحماية حقوق الدولة، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وأوضحت أن خطة الإصلاح الوطني 2025 - 2030 تهدف إلى تعزيز الإيرادات المحلية بتمويل من الاتحاد الأوربي والمنظمات الألمانية، وإعادة النظر في السقوف الضريبية، وتوسيع خدمات الدفع والتحصيل الإلكتروني، وتعزيز الشمول المالي، فضلًا عن تشخيص المعوقات التي تواجه التطبيق الفعّال للسياسات الضريبية ووضع الحلول المناسبة لها بما ينسجم مع متطلبات الرقابة العدلية والإدارة المالية الرشيدة. وبيّنت أن هذه الجهود لا تقتصر على زيادة الإيرادات فحسب، بل تهدف إلى بناء بيئة اقتصادية واستثمارية قائمة على الشفافية والعدالة في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار الاقتصادي الوطني. ودعت وزيرة المالية الشركاء الدوليين، من مؤسسات مالية ومنظمات دولية وإقليمية، إلى المساهمة الفعّالة في دعم خطة الإصلاح الضريبي العراقي من خلال تبادل الخبرات وتقديم الدعم الاستشاري والتقني والتدريبي، مؤكدة أن هذه المشاركة ستكون حاسمة في تسريع خطوات الإصلاح وضمان توافق العراق مع المعايير الدولية. واختتمت حديثها بالتأكيد على التزام وزارة المالية بمسار الإصلاح المالي والضريبي بما يتوافق مع رؤية وطنية للتنمية ويطلق فرصاً استثمارية تعود بالنفع على العراق. الدخل الجديد في سياق متصل، قال رئيس (مؤسسة أصول) للتطوير الاقتصادي والتنمية المستدامة، عضو اللجنة العليا لتنفيذ الإصلاح الضريبي، خالد الجابري، إن "المؤتمر الضريبي هو الأول من نوعه في العراق، برعاية رئيس مجلس الوزراء وبإشراف اللجنة العليا، لعرض ومناقشة حُزم الإصلاح الضريبي، ومسودة قانون ضريبة الدخل الجديد، وتبسيط الإجراءات، ودور النظام الضريبي في دعم الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات." وأوضح أن انعقاد المؤتمر جاء ثمرة جهود كبيرة بُذلت خلال الأشهر الماضية. مبينًا أن مؤسسة أصول للتطوير الاقتصادي كُلّفت من قبل رئيس مجلس الوزراء بقيادة حملة وطنية واسعة للتوعية الضريبية، تحولت إلى حركة إصلاحية حقيقية كشفت التحديات ونقلت هموم المواطنين وملاحظاتهم مباشرة إلى صناع القرار. وأضاف أن هذه الحملة أسهمت في ترسيخ وعي جديد لدى المجتمع حول الحقوق والواجبات الضريبية وفتحت الباب أمام مبادرات إصلاحية عديدة، بعضها سيُعرض في هذا المؤتمر والبعض الآخر دخل حيز التنفيذ فعليًا. وأعلن الجابري انطلاق البرنامج الوطني الجديد (الميزان)، الذي يهدف إلى رفع الإيرادات الضريبية خلال العام المقبل بنسبة تزيد على 30 %، مع تحقيق مستوى عالٍ من التزام المكلفين. مبينًا أن نجاح هذا الجهد الوطني يتطلب انضمام الجميع من وسائل الإعلام والجامعات والمؤسسات التعليمية والوزارات والشباب العراقي المبدع الذي يمتلك القدرة على تطوير تطبيقات ذكية تواكب العصر. وختم بالقول إن "الإصلاح الضريبي والاقتصادي ليس خيارًا، بل هو مسؤولية جماعية، وهو السبيل لبناء اقتصاد متين يقوم على العدالة والشفافية ويحقق التنمية المستدامة."