حوار / علي كريم اذهيب
منذ أكثر من خمسة عشر عامًا، يتصدر قانون النفط والغاز واجهة النقاشات البرلمانية والسياسية في العراق، باعتباره الركيزة الأساسية لتنظيم أكبر ثروة طبيعية تملكها البلاد، وضمان توزيعها بشكل عادل بين المركز والمحافظات والإقليم. ومع أن العراق يُعد من أكبر الدول احتياطيًا وإنتاجًا للنفط، فضلًا عن امتلاكه مخزونًا هائلًا من الغاز الطبيعي، إلا أن غياب هذا القانون أبقى الملف رهينة التباينات السياسية، وأدى إلى خسائر مالية واقتصادية هائلة تقدر بمليارات الدولارات سنويًا. في هذا الحوار الخاص مع النائبة زينب جمعة الموسوي، عضو لجنة النفط والغاز النيابية، نسلط الضوء على تفاصيل الخلافات التي عطلت إقرار القانون، ونستعرض الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية المرتبطة به، مع التوقف عند لغة الأرقام التي تكشف حجم الاحتياطي النفطي والغازي، وعدد الحقول المنتجة والمكتشفة، وفرص الاستغلال الأمثل لهذه الموارد. كما نتناول البُعد الدولي، ومكانة العراق في سوق الطاقة العالمية، وما يمكن أن يحققه هذا القانون من استقرار وتنمية، إذا ما جرى تمريره بالصيغة المناسبة. الإطار القانوني والجدل السياسي * منذ متى بدأت محاولات إقرار قانون النفط والغاز، وما أسباب تعثره؟ - قانون النفط والغاز مطروح منذ عام 2007، وهو من أكثر القوانين التي شهدت نقاشات طويلة داخل البرلمان العراقي، لكن للأسف لم يتم تمريره حتى اليوم. والسبب الأساسي هو غياب التوافق السياسي، إذ إن هناك اختلافًا عميقًا بين المركز وإقليم كردستان حول طبيعة إدارة الثروة النفطية. بغداد تصر على أن تكون الإدارة مركزية بيد وزارة النفط وشركة سومو لضمان وحدة السياسة النفطية، في حين يطالب الإقليم بهامش واسع من الصلاحيات في التعاقد والتصدير المباشر. هذا التباين جعل القانون يتوقف عند كل دورة برلمانية، رغم تشكيل لجان مشتركة ومحاولات متكررة لإيجاد صيغة وسطية. * كيف سينعكس القانون على توزيع الإيرادات المالية؟ - القانون، إذا أُقر، سيضع آلية واضحة وعادلة لتوزيع الإيرادات بين المركز والمحافظات المنتجة، وفق معايير الإنتاج الفعلي والحاجات السكانية. هذا يعني أن المحافظات المنتجة، مثل البصرة وذي قار وميسان، ستحصل على استحقاقاتها دون أن يُضر ذلك بالموازنة العامة للدولة العراقية. غياب قانون النفط والغاز اليوم يسبب خسائر بمليارات الدولارات سنويًا بسبب التهريب والازدواجية في العقود وضعف السيطرة على التصدير. عند إقرار القانون، نتوقع زيادة في الإيرادات بما لا يقل عن 10 مليارات دولار سنويًا، وهذا الرقم قد يتضاعف مع تحسن إدارة الحقول واستغلال الغاز المصاحب الذي يُهدر بالحرق. *هل سيساعد القانون في جذب الاستثمارات الأجنبية؟ - بالتأكيد، الشركات العالمية تبحث عن استقرار تشريعي. اليوم كثير من الشركات تتردد في الدخول أو التوسع داخل العراق بسبب غياب الإطار القانوني. القانون سيمنحها ضمانات واضحة، ما يعني فتح الباب أمام استثمارات ضخمة في الاستكشاف والإنتاج والتكرير والبتروكيماويات. ثروة النفط والغاز يجب أن تنعكس على حياة المواطن العراقي لا أن تبقى أرقامًا في الموازنات. القانون سيُلزم بتخصيص جزء من الإيرادات لتحسين الخدمات العامة: الصحة، والتعليم، والبنى التحتية. كذلك سيفرض على الشركات المشغلة تشغيل نسبة من أبناء المحافظات المنتجة، ما يعني فرص عمل جديدة وتدريب وتأهيل للشباب. * هل تتوقعون تغييرات واضحة في المحافظات المنتجة بعد إقرار القانون؟ - نعم، المحافظات المنتجة اليوم تتحمل أعباء بيئية وخدمية بسبب الصناعة النفطية، لكنها لا تحصل على استحقاقها العادل. القانون سيُعيد التوازن، وسيوفر مشاريع تنموية مباشرة بتمويل من الإيرادات النفطية نفسها. * كيف سيتعامل القانون مع العقود التي أبرمها الإقليم مع الشركات الأجنبية؟ - هذه العقود واحدة من أعقد الملفات. القانون سيضع آلية اتحادية لمراجعة العقود بما يضمن وحدة الدولة وسيادتها، لكن في الوقت ذاته يراعي خصوصية الإقليم. نحن نبحث عن صيغة تحافظ على وحدة الموقف التفاوضي للعراق أمام الشركات العالمية. المبدأ الأساسي أن يكون التصدير عبر شركة سومو لضمان وحدة السياسة النفطية وشفافية الإيرادات، لكن يمكن وضع استثناءات أو آليات مرنة تراعي خصوصية الإقليم أو المحافظات المنتجة. * هل هناك فرصة للتوصل إلى تسوية نهائية؟ - نعم، هناك إرادة سياسية أكبر مما مضى، لأن الجميع أدرك أن استمرار النزاع يضر بالإقليم والمركز معًا. وأن القانون قد يكون الحل الوسط الذي يحقق الاستقرار وينهي الخلافات المستمرة منذ أكثر من عقد ونصف. العراق اليوم يمتلك أكثر من 145 مليار برميل من الاحتياطي النفطي المثبت، ليكون خامس دولة في العالم. وهناك تقديرات تشير إلى إمكانية وصوله إلى 350 مليار برميل مع الاكتشافات المستقبلية. أما بالنسبة للحقول، فإن لدينا 66 حقلًا نفطيًا معروفًا، منها نحو 20 حقلًا منتجًا فعليًا. بعض هذه الحقول يُصنّف كحقول عملاقة (Super Giant)، مثل: * غرب القرنة باحتياطي يقارب 43 مليار برميل. * مجنون بأكثر من 12 مليار برميل. * كركوك باحتياطي يقارب 9 مليارات برميل. * الزبير بحوالي 4 مليارات برميل. * الحلفاية بـ 4.1 مليار برميل. أما بالنسبة للغاز، فنحن نمتلك نحو 131 تريليون قدم مكعب من الاحتياطي المثبت، أي ما يعادل المرتبة الثانية عشرة عالميًا. ثلثا هذا الغاز مرتبط بالإنتاج النفطي (associated gas)، لكنه للأسف يُهدر بالحرق. العراق اليوم يُعد من أعلى الدول في حرق الغاز، حيث يُحرق ما يقارب 16 مليار متر مكعب سنويًا، وهذا يكلفنا مليارات الدولارات سنويًا كان يمكن استغلالها في توليد الطاقة الكهربائية والصناعات البتروكيماوية. الحقول الغازية البارزة تشمل: * ميران في كردستان باحتياطي يقارب 12.3 تريليون قدم مكعب. * عكاس في الأنبار بنحو 5.6 تريليون قدم مكعب. * ما الحل برأيكم للاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية؟ - الاستغلال الأمثل يعني التوقف عن هدر الغاز المصاحب وتحويله إلى مصدر طاقة يغطي احتياجات العراق. كذلك الاستثمار في الحقول الغازية غير المستغلة، وربط كل ذلك بخطط تنمية وطنية، بحيث لا تبقى عوائد النفط مجرد أرقام في الموازنة بل تتحول إلى مدارس ومستشفيات وفرص عمل حقيقية. إن غياب القانون يجعل الشركات مترددة في الدخول باستثمارات طويلة الأمد. بعض العقود تُبرم بطرق غير متوازنة، وهذا يضعف موقع العراق التفاوضي. وجود قانون واضح سيمنح بيئة آمنة ويعيد الثقة. * ما علاقة القانون بالتزامات العراق داخل أوبك؟ -القانون سيمنح الحكومة الاتحادية آلية واضحة للالتزام بحصص الإنتاج التي تحددها أوبك، ما يعزز موقع العراق داخل المنظمة ويحمي مصالحه. إذا أُقر القانون، سيصبح العراق أكثر استقرارًا وجاذبية للاستثمارات، وسيتحول إلى لاعب رئيس في سوق الطاقة العالمي، ليس فقط كمصدر للنفط، بل أيضًا كمنتج للغاز قادر على المنافسة إقليميًا ودوليًا.