100%
كربلاء/ عبد الحسين بريسم
منذ ما يقارب الثمانية عقود، تظل المكتبة المركزية العامة في كربلاء المقدسة واحدة من أبرز المراكز الثقافية التي احتضنت عشاق الكتاب والقراءة. فهي ليست مجرد مؤسسة حكومية تجمع الكتب والمخطوطات، بل معلم تراثي ومعرفي يعكس هوية المدينة وذاكرتها الحيّة.
يعود تاريخ تأسيس المكتبة إلى عام 1945، حين أنشئت أول مكتبة حكومية عامة في المدينة، عُرفت باسم (مكتبة كربلاء العامة)، تقع في وسط المدينة بجوار (مدرسة الخديجة) قرب سوق النجّارين. آنذاك استأجرت الإدارة المحلية (المتصرفية) منزلًا ليكون مقرًا لها، وبلغ عدد مقتنياتها نحو ستة آلاف كتاب. وقد تميزت تلك الفترة بإقبال واسع من الرجال والنساء على ارتيادها، فيما تولى إدارتها أول مدير، محمد حسن الشهيدي.
المبنى الحالي
في عام 1971، شهدت المكتبة نقلة نوعية بانتقالها إلى مبناها الحالي، الذي صممه المعماري العراقي الكبير الدكتور محمد مكيّة. وقد غدا المبنى نفسه تحفة معمارية ذات طابع تراثي، ليصبح علامة فارقة في المشهد العمراني والثقافي لمدينة كربلاء. ومنذ ذلك الوقت، توسعت المكتبة في مساحتها وأقسامها ومقتنياتها لتكون مؤسسة معرفية متكاملة.
المكتبة اليوم مؤسسة ثقافية حكومية عامة، وهي شعبة تابعة لقسم إدارة الموارد البشرية في محافظة كربلاء. وتضم وحدات متخصصة عديدة، أبرزها:
* خزانة الكتب: وتضم أكثر من 23 ألف كتاب.
* وحدة الرسائل والأطاريح الجامعية.
* وحدة الدوريات: وتشمل المجلات والصحف.
* وحدة الكتب النادرة.
* وحدة الكتب الإنكليزية: تحوي أكثر من 1300 كتاب.
* وحدة التجليد.
* مكتبة أجيال المستقبل: تضم نحو 1500 كتاب موجه للأطفال.
* المكتبة الوثائقية.
* وحدة الكتب المهداة.
* مكتبة الهندية العامة ومكتبة عين التمر العامة التابعتان لها.
فهرسة الكترونية
مدير المكتبة، محمود عباس الأنبار، يشير إلى أن أبواب المكتبة مفتوحة لجميع الفئات العمرية، من الأطفال وطلبة المدارس وصولًا إلى الباحثين وطلبة الدراسات العليا. أما نظام الدوام فهو صباحي ومسائي، فيما يقتصر نظام الاستعارة على الاستخدام الداخلي.
لا تقتصر رسالة المكتبة على توفير مصادر المعرفة، بل تتجاوز ذلك إلى تنظيم الفعاليات الثقافية والفنية المختلفة. فهي تحتضن دورات تدريبية وتطويرية، ومعارض فنية بالتعاون مع جمعية الفنانين التشكيليين وجمعية الخطاطين العراقيين، إلى جانب المحاضرات والندوات التي يقيمها اتحاد الأدباء. كما تستقبل وفود المدارس والجامعات ضمن زيارات تهدف إلى تعزيز العلاقة بين الناشئة والكتاب.
وفي مجال التقنيات الحديثة، أوضح الأنبار أن المكتبة أدخلت نظام الفهرسة الإلكترونية، كما أطلقت موقعًا على تطبيق (تليغرام) يضم مئات الكتب والرسائل الجامعية المتاحة للباحثين.
فضاء ثقافي
الكاتب والباحث محمد الطائي يصف المكتبة بأنها "مرآة روح المدينة وذاكرتها الحية." فهي تضم مخطوطات ومطبوعات نادرة يزيد عمر بعضها على مئة عام، وتشكل فضاءً يلتقي فيه الأدباء والباحثون لتبادل الأفكار وصناعة الإبداع. ويضيف: "ليست مأوى للكتب فحسب، بل فضاء حيّ وجسر يربط الماضي الأصيل بالحاضر المتجدد، منارة تحمل عبق كربلاء وروحها النابضة بالوعي والجمال."
من جانبه، يؤكد الأديب والإعلامي سلام البنّاي، رئيس اتحاد الأدباء والكتاب في كربلاء، أن المكتبة تمثل "حضنًا دافئًا وذاكرة نابضة لمدينة عريقة." ويستعيد ذكرياته فيها قائلًا: "منذ أيام دراستنا، في المراحل الأولى، كانت ملاذًا آمنًا نهرب إليه من صخب الصيف وضجيج الحياة، لنجد السكينة بين أروقتها ونتأمل جمالها المعماري الخاص."
البنّاي أشار أيضًا إلى ندوة أقامها اتحاد الأدباء قبل ثلاث سنوات داخل المكتبة، سلطت الضوء على أهميتها وضرورة دعمها بعد أن أصاب بعض مرافقها الإهمال، مؤكدًا أنها بحاجة إلى رعاية خاصة لتبقى منارة معرفية لأبناء المدينة.
أما المصور الفوتوغرافي حكمت العياشي، الذي وثّق المكتبة بعدسته، فيقول: "المكتبة العامة في كربلاء ليست مكانًا عاديّا، بل ذاكرة نابضة وبيت للمعرفة. هنا يجد الزائر ملاذًا من ضجيج الحياة، ويكتشف أن القراءة ليست ترفًا بل حاجة أساسية. المكتبة ملتقى للعقول، ورسالتها أن تذكّرنا دائمًا بأن الكتاب صديق وفيّ يمنح للأجيال جذورًا راسخة وأفقًا أوسع."