100%
حوار/ محسن إبراهيم
في تعابير بسيطة وسحرية، تختزل الفنانة التشكيلية نغم صالح حكايات الغرام البغدادي على قماش لوحاتها. ومن خلال إيقاع الألوان، تهيم في خيال أعمالها الفنية المتوجة بفلسفة الجمال، وتُعدّ الوجوه والعيون نافذتيها للروح، عبرهما تبوح بمكنوناتها وترسل شفراتها إلى المتلقي.
(صالح) التي تصف نفسها بـ (حفيدة مبدع بوابة عشتار ومخترع الرقم الطينية)، درست التشكيل والخزف وأقامت معارض فردية وجماعية عديدة. ومن أجل تسليط الضوء على منجزها الإبداعي، التقتها "الشبكة العراقية" وكان معها هذا الحوار:
* من خلال متابعتنا لأعمالك، نرى أنّ الوجه لا يخلو من لوحاتك، فما السر في ذلك؟
- الوجه والعيون نافذتا الروح، لهما أبعاد إنسانية ورمزية عميقة، حينما يصادفني وجه وملامح تحمل تعابير ومزاجًا معينين، أحبهما، ويبدآن بفرض تواجدهما في اللوحة، الوجه بالنسبة لي وسيلة تعبير إنساني، وهوية ممكن من خلالها نقل ثقافة شعب أو قضيته، مثلًا، الوشم العراقي مميز في وجوه النساء قديمًا، ومازالت جداتنا يحملن تلك الإشارات الشذرية فوق الحنك أو مع الحاجب، إذًا الوجه لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة، مهما كانت خلفية المشاهد أو لغته فإنه سيتمكن من قراءة وفهم تلك الوجوه والرموز، باعتبارها أدوات بصرية عالمية.
*إلى أي المدارس التشكيلية تنتمين؟ أم أنك تتفردين بلوحاتك بعيدًا عن الانتماءات؟
- يمكن تمييز أسلوبي بشكل فني خاص، فهو مزيج بين الواقعية والتعبير الداخلي العميق والرمزية، يمكن القول إني لا أنتمي إلى مدرسة فنية كلاسيكية واحدة، كالواقعية أو السريالية، بشكل صارم، لكنني أمزج مابين التعبيرية الواقعية الرمزية، واستخدم الشكل واللون والرموز لنقل مشاعر وأفكار غير مباشرة بالألوان الدافئة، القريبة لطبيعة بغداد.
* ما الذي يحرك حس الفنان في داخلك لتبدعي عبر الفرشاة والألوان؟
- التأمل في كل شيء حولنا، مناظر طبيعية، جماد، وأن تكون نظرتنا عميقة ومتفحصة للوصول للجوهر، لذلك كل ما يصادفني في الحياة ممكن أن يكون محفزًا لتنفيذ عمل ولوحة، قد تكون زهورًا حمرًا تنبت على حافة رصيف هي ما تجعلني أصل مرحلة الهوس بالتفكير في تفاصيلها وجمالها الطبيعي، ولا ينتهي ذلك إلا برسمها، أو ربما صورًا وقصصًا معينة، حينما كانت جدتي تسرد لي تفاصيل قصة قديمة، وأنا طفلة، أتذكر حتى الآن كيف انشغل خيالي بصورة بنت السلطان الجميلة، ومشطها العاجي المرصع بالمجوهرات.
* هل توثقين ما يحدث من قضايا شخصية واجتماعية في لوحاتك؟
- سؤال دقيق ومهم جدًا، لأن توثيق القضايا الشخصية والاجتماعية في الفن، أحد أعمدة التعبير التشكيلي، ونحن جزء من الحدث، في وطني الحبيب مررنا بتجارب عديدة، رسمت (هروب السبيّة) أيام إرهاب (داعش)، والأطفال الذين تشردوا من جراء تلك الأحداث الأليمة، وأنجزت لوحتي (حمائم وطن) و(يتيمة حرب)، وهناك مواضيع شخصية أخرى تظهر الاشتياق لشيء أحبه، إضافة إلى مواضيع الأمومة والفرح والصداقة، فضلًا عن أعمال وثقت فيها أحداثًا بغدادية، مثل لوحة (النهر) و(المقام) و(جلسة نسائية) و(حورية نهر) و(مملكة ملح). كل هذه المشاهد أثرت بي، وظهرت بشكل واضح في لوحاتي.
* ما المساحة التي تشغلها المرأة في أعمالك الفنية؟
- تظهر المرأة بشكل محوري في أغلب لوحاتي، هي البطلة الرئيسة كحالة روحية، لا جسدية، المرأة رمز لذاتي الإنسانية، وهي القوة الناعمة ورمز الجمال.
* هل تذوق الفن التشكيلي متاح للجميع أم أنه يتطلب متلقيًا متخصصًا؟
- التذوق الفني التشكيلي متاح للجميع، لكن بدرجات متفاوتة وأساليب فهم مختلفة، تبعًا لثقافة ووعي المتلقي، فكل إنسان يملك حسًا بصريًا وفطريًا تجاه الجمال واللون والشكل، يمكنه من خلاله أن ينجذب للوحة ويتأثر بها، الفن التشكيلي، سواء أكان رسمًا أو خزفًا أو نحتًا أو تصميمًا وكرافيكًا، لغة صامتة عالمية تصل للوجدان دون ترجمة.
* شاركت في مجموعة من المعارض الجماعية والفردية، ما الإحساس الذي ينتابك وأنت تراقبين تذوق الجمهورللوحات؟
- المشاركات في المعارض الفنية من أجمل التجارب للفنان، وهي فرصة رائعة للقاء مع جمهوره المحب والمهتم بالفن وما نقدمه من تجارب مختلفة. على الرغم من أن مواقع التواصل الاجتماعي خلقت عالمًا موازيًا لعرض صور الأعمال وتفاعل الجمهور معها، لكن يبقى العرض المباشر شيئًا ضروريًا، ليس للفنان فحسب بل للمتلقي أيضًا، الذي تتسنى له مشاهدة الخامة واللون والتقنيات بشكل أوضح وأجمل، ويتيح للفنان الاستماع لردود الفعل، وكيف يجري استقبال أعماله، المعرض يكشف عن ذات الفنان، وهو محطة نمو وتواصل، وخطوة في طريق المنجزات القادمة.
* هل مازال هناك اهتمام بالفن التشكيلي؟
- نعم، هناك اهتمام كبير بالفن التشكيلي، لكن هذا الاهتمام تغير شكله ومساحاته وأدواته مع تطور الزمن والتكنولوجيا، إذ نشهد اقامة المعارض والفعاليات المحلية والعالمية، وهناك المتاحف ودور وقاعات العرض الكثيرة، وهناك من يهتم باقتناء الأعمال الفنية.
* الخزف أم الرسم، أيهما يحرك فيك ذروة الإبداع؟
- أنا حفيدة مبدع بوابة عشتار ومخترع الرقم الطينية، عشقي للفن عشق جيني، لذلك اخترت دراسة الفن التشكيلي، سحر تكوين الأشكال بمادة الطين يعطي للخيال والإبداع مساحة كبيرة، والعمل فيه متعة وجهد معًا. العمل بكل الخامات المتاحة يعتمد بالأساس على القدرة العالية لخيال الفنان للابتكار وتمكنه من أدواته، وإذا أحببت العمل أبدعت فيه، مهما كانت خامته.