100%
همسة وائل
في كل مرة يتعرض فيها علي حسين – الشاب الأصم – لموقف يحتاج فيه إلى شرح، يلتفت تلقائيًا نحو أخته زهراء. هي صوته الذي لم يُسمع يومًا، وجسْره إلى عالم لا يتقن لغته. منذ سنوات، تعلّمت زهراء لغة الإشارة من أجل أخيها، لا حبًا بالترجمة، بل بدافع إنساني عميق. لكنها اليوم أصبحت واحدة من أبرز المترجمات المتطوعات في مؤسسة دجلة لدعم لغة الإشارة.
جلسات العائلة
تقول زهراء: "كنت أرى علي ينعزل عن جلسات العائلة، لا يفهم ولا يُفهم، فقررت أن أكون صوته، ومع الوقت اكتشفت أن الصم لا يحتاجون فقط إلى لغة، بل إلى من يؤمن بهم."
بحسب جهاز الإحصاء المركزي العراقي، يقدَّر عدد الأشخاص من ذوي الإعاقة السمعية في العراق بأكثر من مئتي ألف شخص، يعيش غالبيتهم دون خدمات أساسية تضمن لهم حق التعليم والعمل والصحة.
وعلى الرغم من أن العراق صادق على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2007، فإن القوانين المحلية لا تزال عاجزة عن ضمان تطبيق فعلي لحقوق الصم. فـ (قانون رعاية ذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة رقم 38 لسنة 2013) أقرّ حقوقًا عامة، لكنه لم يخصّ الصم باعتبار لغة الإشارة لغة رسمية، ما جعل هذه الفئة عرضة للتهميش داخل المؤسسات الرسمية والتربوية.
طفولة تبدأ بالعزلة
تبدأ المعاناة منذ سنوات مبكرة، فالأطفال الصم، غالبًا، لا يجدون مدارس مؤهلة بلغتهم الأم، ولا معلمين متخصصين يجيدون لغة الإشارة، الأمر الذي يتركهم في دائرة الفهم المحدود، ويقيّد قدرتهم على التعبير عن أنفسهم. وحتى في البيوت، كثير من العائلات لا تتعلم لغة الإشارة، فينشأ الطفل الأصم معزولًا حتى عن أقرب الناس إليه.
في المحاكم، في المستشفيات، في الجامعات، يغيب المترجمون المعتمدون، ما يجعل الأصم رهينة وجود وسيط يسمع ويتكلم. هذا الغياب يخلق حالة من (الإقصاء غير المرئي)، إذ تُعامل لغة الإشارة وكأنها ليست لغة قائمة بذاتها.
علي المرسومي، رئيس (مؤسسة دجلة لدعم لغة الإشارة)، عضو مجلس إدارة تجمع المعوقين في العراق، يؤكد أن النقص الحاد بعدد المترجمين يمثل أبرز التحديات:
"كل مشروعاتنا قائمة على جهود فردية وتطوعية، لا يوجد تمويل حكومي ثابت. ومع ذلك استطعنا تدريب متطوعين، وإدخال مترجمي إشارة إلى بعض الورش الرسمية، وحتى ربط عدد من الصم بفرص عمل."
لغة وطنية
مروة شهاب الدين الحسيني، رئيسة (مؤسسة الحياة للصم)، تقول:
"أنا فتاة صمّاء، وأحمل صوت كل من حُرم من حقوقه. نحتاج إلى مترجمين في كل مؤسسة، نحتاج أن يُنظر إلينا كمواطنين كاملين، لا كأشخاص من الدرجة الثانية."
أما علي حسين، شقيق زهراء، فيلخص تجربته بجملة مؤثرة:
"أنا لا يسمعني أحد، لكن زهراء كانت نوري الوحيد."
الطريق إلى دمج الصم يبدأ من الاعتراف بلغة الإشارة لغة وطنية، تُدرّس في المدارس وتُعتمد في المؤسسات. إضافة إلى إلزام الجهات الرسمية بتوفير مترجمين في القطاعات الحيوية: الصحة، والتعليم، والعدالة.
كما أن تطوير تطبيقات تقنية للترجمة الفورية، وإطلاق حملات توعوية لمحو الصور النمطية، يمثلان خطوات مهمة. أما على صعيد العمل، فالحل يكمن في تشريعات تشجع على توظيف الصم مع توفير بيئة مؤهلة.