100%
ريا محمود
تصوير / خضير العتابي
يُعتبر التعليم حقًا أساسيًا لكل طفل وشاب، وهو أساس بناء المجتمعات وتقدم الأمم. في العراق، ورغم التحديات الكبيرة التي يواجهها نظام التعليم، إلا أن هناك جهودًا مستمرة لضمان هذا الحق للأجيال القادمة.
وزارة التربية أعلنت أن العام الدراسي الجديد سينطلق في 1 أيلول 2025، أي أبكر من المعتاد. الهدف هو تقليص فجوة العطلة الطويلة وتنظيم الجدول الامتحاني.
لكن أصواتًا تربوية تحذّر: "المدارس في معظم المحافظات تفتقر التكييف، والحرارة اللاهبة في العراق قد تجعل الدوام المبكر عاملًا إضافيًا للتسرب، خصوصًا في القرى والمناطق الفقيرة."
إضافة إلى مشكلة مواعيد الدور الثالث الذي يربك الجدولة ويؤخر انتهاء العام الدراسي، ما يزيد في صعوبة التخطيط للطلاب والمعلمين على حد سواء. وزارة التربية تعمل على معالجة هذه التحديات لضمان انتظام الدوام ورفع جودة التعليم لجميع الطلاب.
واقع التعليم
بحسب التقرير الرسمي الذي نشرته اليونيسيف، بالتعاون مع وزارة التربية العراقية للعام 2024 عن واقع التربية والتعليم في العراق: "يدرس نحو 9.2 مليون طالب عبر مختلف المراحل الدراسية، وذلك بعد ارتفاع ملحوظ من 3.6 مليون في عام 2000، بمعدل نمو يُقدر بـ 4.1 % سنويًا. هذه الأرقام، رغم أنها تبدو مبشرة، تصطدم بحقيقة أن ما يقارب الـ 3.2 مليون طفل في سن الدراسة ما زالوا خارج المدارس."
وجاءت الإحصائيات في نفس التقرير لتبين أن نسب النجاح تتفاوت بحسب الفترات الصباحية والمسائية للتعليم، إذ تشير الأرقام إلى أن "معدّل النجاح في الفترة الصباحية يبلغ 92 %، مقابل 72 % في الفترة المسائية."
كما بين التقرير ان الاستثمار الحكومي في التعليم لا يتعدى 5 % من الميزانية الوطنية، وهي نسبة متأخرة في منطقة الشرق الأوسط. وأن نسبة الملتحقين بالمدارس الابتدائية من الأطفال تبلغ 92 %، لكن أقل من نصف الأطفال يكملون المرحلة الابتدائية، وأقل من ربعهم يصلون الثانوية، وغالبية المتسربين من المدارس إما بسبب الفقر أو النزوح او التفكك الأسري.
وأشار التقرير إلى قلة عدد البنايات المدرسية نسبة للأفراد، إذ يوجد 13 مليون طالب موزعين على 28 ألف مدرسة، أي 450 طالب في كل مدرسة، ما يسبب حالات من التكدس ويسهم في إضعاف جودة التعليم.
أرقام غائبة
بسبب غياب بيانات دقيقة وأرقام واضحة ترصد حجم الإنفاق الفعلي على التعليم، وعدم توفر معلومات رسمية حول ما أنفقته الدولة، أو ما تنفقه اليوم، كان لا بد من تتبّع ما هو متاح من تقارير بحثية، وصفحات الوزارة الرسمية، وبعض المنصات المفتوحة. ومن خلال ذلك يتضح أن صورة التعليم في العراق ما تزال مضببة، بين إنفاق غير شفاف ومشروعات لا تكفي لسد الفجوة الكبيرة.
منذ عام 2015 وحتى 2022 ظلّ الإنفاق الحكومي على التعليم يدور عند حدود 4.9% من إجمالي النفقات الحكومية، وهي أعلى نسبة مسجّلة بحسب شبكة (نيريج NIRIJ) للصحافة الاستقصائية وهي شبكة عراقية مستقلة متخصصة بالتحقيقات الاستقصائية.
أما في موازنة 2025، فوفق بيانات غير رسمية منشورة على منصة Reddit (وهي منتدى عالمي مفتوح للنقاش، لا يُعتمد عليه كمصدر رسمي للمعلومات)، شكّل قطاع التعليم 16.95 % من الإنفاق العام، أي ما يعادل نحو 6.9 مليار دولار. وبين 5 % و17 % يظهر التناقض الكبير.
أما بالنسبة لطباعة المناهج الدراسية، فلا توجد أرقام حديثة حول تكلفة المناهج الدراسية وطباعتها، لكن المؤكد أن عملية الطباعة والتوزيع تجري عبر مجمعات تدريب ودعم الكتاب المدرسي بالتعاون مع اليونيسيف واليونسكو. غير أن هذه الجهود تصطدم دومًا بنقص التمويل والإجراءات الفنية، ما يترك المدارس والطلاب أمام أزمة متكررة في الحصول على كتبهم الدراسية في الوقت المناسب.
خطوات ملموسة
برغم كل هذا، شهدت السنوات الأخيرة بعض المشروعات الملموسة بين عامي 2020 و2023، وبتمويل من البنك الدولي، أعيد بناء 26 مدرسة في المناطق الأكثر تضررًا من النزاعات، ما وفّر بيئة تعليمية ملائمة لأكثر من 10 آلاف طالب وطالبة (World Bank – Iraqi News).
كما افتتحت الحكومة، ضمن الاتفاق العراقي–الصيني، نحو 790 مدرسة جديدة عام 2024، مع خطة للوصول إلى 1000 مدرسة، وسط توقعات بإضافة نحو 500 مدرسة أخرى بحلول نهاية 2025.
الامتحانات الخارجية
وكانت وزارة التربية العراقية قد أعلنت عن مشاركة ما يقارب الـ 135 ألف متقدم في الامتحانات التمهيدية الخارجية للعام الدراسي 2024 – 2025، في شهر كانون الثاني من هذا العام، تشمل المراحل الابتدائية والمتوسطة والإعدادية بفروعها الأدبي والعلمي والمهني.
الامتحانات الخارجية تمثل فرصة حقيقية للطلاب غير المنتظمين في المدارس لاستكمال تعليمهم، وإصدار شهادات رسمية تمكنهم من مواصلة دراساتهم أو الانخراط في سوق العمل. وهي ليست مجرد إجراء روتيني، بل وسيلة لإعادة دمج الشباب المتسرب في النظام التعليمي، وتوسيع فرصهم المستقبلية.
الأمل بالمستقبل
على الرغم من كل الصعوبات، يبقى الأمل حاضرا في التعليم العراقي، وتظل المدارس منصة أساسية لتنمية المهارات والمعرفة، وتمكين الشباب من الانخراط في الحياة الأكاديمية والمهنية. الاستثمار الجاد في التعليم يضمن لكل طفل وشاب فرصة التعلم، ويشكل قاعدة لمستقبل أكثر إنتاجية وازدهارًا للمجتمع العراقي.
في بلد مثقل بالتحديات الأمنية والاقتصادية، قد يظن البعض أن التعليم أمر ثانوي يمكن تأجيله، أو حتى التخلي عنه. لكن الحقيقة أن التعليم هو خط الدفاع الأول ضد الفقر وضد الجهل وضد إعادة إنتاج الأزمات. الطفل الذي لا يتعلم اليوم، سيقف غدًا على هامش الحياة، بلا أفق، وبلا أدوات للاندماج.