100%
د. صادق الصحن*
في فضاء كربلاء المقدسة، حيث تتعانق الروح مع الفكر، وتلتقي القيم الإيمانية بأفق البحث العلمي، انعقد المؤتمر العلمي الدولي التاسع لزيارة الأربعين تحت شعار ("زيارة الأربعين.. تجسيد للقيم الروحية والتقدم العلمي.)"
المؤتمر الذي نظمه مركز كربلاء للدراسات والبحوث في العتبة الحسينية المقدسة، لم يكن مجرد ملتقًى أكاديمي، بل منصة عالمية جمعت بين قدسية التجربة الدينية وعمق الرؤية المعرفية، إذ توافد باحثون ومفكرون من أكثر من خمس وعشرين دولة، وحضر جَمْعٌ من النخب الحوزوية والأكاديمية، فيما شاركت أربع عشرة جامعة عراقية يتقدمها اسم جامعة بغداد.
الروح والعلم
أكد هذا المؤتمر أن زيارة الأربعين لم تعد حدثًا دينيًا فحسب، بل غدت ظاهرة إنسانية كبرى تستقطب اهتمام الأكاديميين والباحثين من شتى بقاع العالم. ففي أروقة الجلسات العلمية، توزعت البحوث بين محاور إنسانية واجتماعية، وأخرى فقهية وفكرية، إضافة إلى الدراسات الطبية والهندسية والتنظيمية التي تُعنى بخدمة المسيرة المليونية.
مثلت المشاركة الدولية الواسعة إضافة نوعية، إذ عكس حضورَ أكثر من خمس وعشرين دولةٍ تناميَ الاهتمام العالمي بزيارة الأربعين، بوصفها ظاهرة إنسانية تتجاوز حدود المكان والزمان. فيما أسهم الحضور الأكاديمي العراقي بفعالية رسمت صورة متكاملة للجهد العلمي المتضافر بين الداخل والخارج.
أما الحوزة العلمية، فقد كان لها حضورٌ مميزٌ أثرى الجلسات الحوارية، وأضفى على النقاشات بُعدًا روحيًا ومعرفيًا يليق بعظمة المناسبة، ليكتمل المشهد العلمي والروحي في آنٍ واحد.
حوارات قادة المؤتمر
أشار عبد الأمير عزيز القريشي، مدير مركز كربلاء للدراسات والبحوث، مدير المؤتمر، إلى أن النسخة التاسعة من المؤتمر الدولي لمركز كربلاء للدراسات والبحوث شهدت تحديات غير مسبوقة، أبرزها حجم المشاركات الدولية وتنوع التخصصات، إذ أثرت الأوضاع الإقليمية والنزاعات المسلحة على قدرة بعض الشخصيات العالمية على الحضور. موضحًا أن هذه التحديات جرى تجاوزها عبر تنظيم دقيق يضمن استمرار الزخم العلمي للمؤتمر.
وأشار القريشي إلى أن المركز يربط بين البحوث النظرية وواقع زيارة الأربعين، من خلال تحويل الطروحات إلى توصيات عملية، تُعرَض على لجان تقييم مرتبطة بالجهات الخدمية والأمنية والصحية والنقلية المشاركة في إدارة الزيارة؛ لضمان قابليتها للتطبيق. كما تجري طباعة مخرجات المؤتمر ونشرها مباشرة للجهات المعنية بصنع القرار، بما يحقق فائدة عملية للزائرين ويحسن إدارة الحشود.
قيم روحية
وبخصوص الخطط المستقبلية، كشف مدير المركز عن توجه نحو توسيع المشاركة الدولية عبر شراكات أكاديمية مع جامعات ومراكز بحثية عالمية، وإطلاق منصة إلكترونية متعددة اللغات لتسهيل المشاركة عن بُعد، إضافة إلى إقامة ورش ودورات تدريبية مشتركة على مدار السنة، بهدف ترسيخ المؤتمر كمحطة علمية سنوية تعكس الاهتمام العالمي بظاهرة الأربعين.
وأكد رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر الدولي التاسع لزيارة الأربعين الدكتور نذير جبار الهنداوي، أن اللجنة اعتمدت معايير دقيقة لاختيار البحوث المشاركة، شملت أصالة الفكرة وحداثتها، وسلامة المنهجية، ودقة التحليل الإحصائي، وانسجام العنوان مع المحتوى، ووضوح الأهداف، إضافة إلى قيمة النتائج وأثرها في خدمة زيارة الأربعين أو المجالات الإنسانية والعلمية، مع الالتزام بالأمانة العلمية والمستوى اللغوي الواضح. وقد طُبقت هذه المعايير على جميع التخصصات المشاركة، بما يتماشى مع الطابع الدولي للمؤتمر.
وأشار الهنداوي إلى أن البحوث المقدمة هذا العام شهدت ارتفاعًا ملحوظًا في مستوى الأصالة والابتكار، مع وضوح أكبر في المنهجية واستعمال أدوات حديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والتحليل الإحصائي. كما ارتفعت نسبة البحوث المتعددة التخصصات، ولاسيما تلك التي تربط القيم الروحية بالإدارة والتنظيم الحديث، ما يمثل نقلة نوعية مقارنة بالدورات السابقة.
ولفت رئيس اللجنة إلى أبرز التوصيات العلمية التي خرج بها المؤتمر، التي تشمل: إدماج القيم الروحية لزيارة الأربعين في الدراسات الأكاديمية والمناهج التعليمية، واستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة وتنظيم الحشود لضمان السلامة، وإطلاق برامج بحثية ومنح سنوية متخصصة، وإنشاء قاعدة بيانات علمية موحدة للأبحاث والإحصائيات، وتعزيز الدراسات البيئية والتنظيمية المستدامة، وتشجيع التعاون الدولي عبر شبكة من الباحثين والمراكز البحثية المتخصصة. مؤكدًا أن هذه التوصيات تمثل خريطة طريق لتطوير الدراسات المستقبلية حول الظاهرة المباركة.
منصة عالمية
وأكد الدكتور مهدي وهاب نعمة نصر الله، رئيس اللجنة التحضيرية للمؤتمر الدولي التاسع لزيارة الأربعين، أن التحضيرات للمؤتمر استمرت أكثر من عشرة أشهر، تضمنت وضع خمسة محاور علمية رئيسة تشمل: العلوم الإنسانية، والعلوم والتكنولوجيا، وعلم الاجتماع، وإدارة الحشود. وجرى استقطاب البحوث من داخل العراق وخارجه وإخضاعها للتحكيم الأكاديمي، مع تنسيق وثيق بين الجامعات العراقية والمؤسسات الحوزوية، إضافة إلى التواصل مع مراكز بحثية وهيئات دولية؛ لضمان انعقاد مؤتمر يعكس القيمة العلمية والروحية لزيارة الأربعين.
ولفت السيد مهدي إلى أن حجم المشاركة الدولية الواسعة أظهر تحول المؤتمر إلى منصة عالمية، إذ تجاوزت البحوث المقدمة 142 بحثًا، منها 27 بحثًا أجنبيًا بمشاركة باحثين وخبراء من دول متعددة، ما يعكس الاهتمام الأكاديمي والبحثي العالمي بظاهرة زيارة الأربعين.