100%
عامر جليل
في كل عام، تعود ذكرى ولادة النور المحمدي لتضيء القلوب قبل الأماكن، وتجدد في النفوس الإيمان والمحبة لرسول الإنسانية، النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).
في الثاني عشر من شهر ربيع الأول، تتعانق الروح العراقية الأصيلة مع هذه الذكرى العطرة في العديد من الأماكن الدينية، لكن لمدينة الأعظمية، ومرقد الإمام أبي حنيفة النعمان فيها خصوصية ووهجًا يميزها، حيث تتحول إلى مركز روحاني نابض بالحياة، جامعٍ بين عبق التاريخ وجمال الاحتفاء. يقع مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان في قلب مدينة الأعظمية ببغداد، ويُعَدّ من أقدم وأهم المعالم الدينية والأثرية في العراق. ومع حلول ذكرى ولادة النبي محمد (ص)، يشهد المرقد توافد آلاف الزائرين من مختلف المحافظات العراقية، بل ومن دول الجوار أيضًا، للمشاركة في فعاليات الاحتفال التي تمتزج فيها الطقوس الدينية بالأجواء الروحانية.
تبدأ الاستعدادات قبل أسابيع، حيث تُزَيَّنُ مآذن المرقد وقبابه بالأضواء، وتُعلّق اللافتات التي تحكي سيرة النبي (ص)، وتُعطَّر الأروقة بالبخور، لتكتمل اللوحة بمشاركة الجموع المؤمنة، رجالًا ونساءً، كبارًا وصغارًا، ممن يتلون المدائح النبوية، ويرددون الأناشيد التي تمجّد الرسول الكريم وتستعرض مواقفه المضيئة في بناء مجتمع العدل والإيمان.
ولا يقتصر الاحتفال في مرقد أبي حنيفة على الجانب الروحي فحسب، بل يشكل أيضًا فرصة للتلاقي الثقافي والاجتماعي، إذ تُقام المحاضرات الدينية، وتُوزَّع الحلويات والمأكولات الشعبية، ويُفتح المجال للزوار للتبرك بالمكان، والتعرف على الإرث التاريخي للإمام أبي حنيفة النعمان، مؤسس المذهب الحنفي، الذي كان من أبرز العلماء في عهد الدولة العباسية.
تُسهم هذه المناسبة في تنشيط السياحة الدينية في العراق، وتحديدًا في بغداد، حيث يقصد الكثير من الزوار الأماكن المقدسة في الأعظمية والكرخ والكرادة والكاظمية وغيرها، ما يمنح هذه المدن دفعة من الحياة ويعزز من ارتباط الناس بإرثهم الديني والحضاري.
ذكرى ولادة النبي محمد (ص) في مرقد الإمام أبي حنيفة النعمان ليست مجرد مناسبة دينية، بل هي تجسيد حيّ لروح التسامح والتواصل بين أطياف الشعب العراقي، ودليل على عمق الإيمان والتقدير لشخصية الرسول الأعظم. ومن الأعظمية، حيث التاريخ يروي حكايات العلم والدين، تنبع رسالة محبة وسلام، تؤكد أن العراق، رغم كل التحديات، سيبقى منارة للإسلام ومهدًا للحضارات.