علي السومري
لم يرغب الدكتور أوس خلف، المولود في بغداد عام 1982، وهو المعروف بنشاطه المدني، وسعة ثقافته، أن تكون قصته نمطية. طبيب يتخرج في كلية الطب بالجامعة المستنصرية عام 2006، ثم يُعين في أحد مستشفيات العراق حتى تقاعده. وبالرغم من أن مشواره في الطب مرّ بهذه المراحل، حيث عمل في مشافٍ ومراكز طبية مختلفة في محافظتي بابل وبغداد، وتدرج في خطوات السلم الطبي من الإقامة الدورية، (طبيب تحت التدريب)، حتى نيله شهادة الدبلوم العالي المعادل للماجستير، في أمراض المفاصل والتأهيل الطبي عام 2014، وهو العام الذي فاز بحثه فيه بمسابقة أطباء المفاصل الشباب في الإمارات، حاصلًا على المرتبة الثانية، ضمن 140 بحثًا عربيًا قُدّم للمؤتمر. عمل بعدها لمدة سنة كطبيب مختص في مستشفى الشهيد الصدر، ثم أمضى سنتين في مقر وزارة الصحة كمسؤول إداري في قسم الإخلاء الطبي، القسم المكلّف بأرسال الحالات المرضية المعقدة إلى خارج العراق. قُلت، بالرغم من أن مشواره في الطب مرّ بهذه المراحل، إلا أن عام 2017 كان عامًا غيّر بوصلته نحو طموحه اللامحدود، ونقطة مفصلية في حياته المهنية، فبعد ما بقارب من العشر سنوات قضاها في العمل الحكومي، قرر تغيير مساره والعمل مع منظمة (أطباء بلا حدود) الإنسانية، وهي منظمة عالمية أنشئت عام 1971 من قبل مجموعة صحفيين وأطباء فرنسيين، للاستجابة للكوارث والظروف الصحية الطارئة في مختلف بلدان العالم، التي عرف عنها حرصها على تقديم خدمات إنسانية ذات جودة عالية، بلا تمييز جنسي أو عرقي أو ديني. افتتحت المنظمة مركز بغداد للتأهيل الطبي في آب 2017، وكان هدف المشروع توفير الرعاية الطبية لجرحى الحرب ضد الإرهاب، ومعالجة الإصابات المختلفة بعد العمليات الجراحية في مستشفيات بغداد. في هذه السنة، انضم الدكتور (خلف) إليهم، بعد أن قدم استقالته من وظيفته، وعمل معهم كمدير للأنشطة الطبية لمدة خمس سنوات. جرى بعدها اعتماده عام 2022، موظفًا دوليًا خارج العراق، لينتقل مع المنظمة الدولية بين بلدان عدة، مثل الأردن، حيث عمل هناك حتى كانون الثاني 2023 كنائب لقائد الفريق الطبي في مشروع (عمّان) الجراحي، الذي اختص بالقيام بجراحات ترميمية، مع تأهيل طبي لضحايا الحروب في العراق، وفلسطين، وسوريا، واليمن. غادر بعدها إلى اليمن، التي استقر فيها من أيار 2024 حتى شباط 2025، حيث عمل كقائد الفريق الطبي في مستشفى حيدان بمحافظة صعدة، في مشروع قدم الخدمات الجراحية لضحايا الحروب في اليمن، بالإضافة إلى خدمات أخرى، مثل علاج أمراض الطفولة (الحصبة، ونقص التغذية، والالتهابات الرئوية)، والأمراض النسائية، والتوليد والأمراض المزمنة. أما نيجيريا، التي يعمل فيها، حتى الآن، فكان قد وصلها في أيار 2025، كقائد الفريق الطبي في مدينة (مايديگوري)، في مشروع يهدف لعلاج أمراض الأطفال المختلفة، مثل الملاريا والحصبة والخنّاق، المنتشرة هناك، إذ يواجه القطاع الصحي الحكومي هناك صعوبات تفاقمت بعد الأعمال الإرهابية لمنظمة (بوكو حرام) المتطرفة. وعلى الرغم من انشغاله المتواصل في عمله، إلا أن الدكتور أوس خلف، يستثمر زياراته لهذه البلدان للتعرف عليها عن قرب، وفي كل عودة إلى بلاده، تراه محملًا بكم هائل من صور تلك البلاد، مع معلومات وافرة عن حياة شعوبها وثقافتها وموسيقاها، وكيف لا يفعل ذلك، وهو الكائن الوديع، الشغوف بالحياة، الحالم بالسلام العالمي، والعدالة الاجتماعية.