أحمد جعفر
توقيع العراق اتفاقية مبادئ مع شركة شيفرون الأميركية لتطوير مشروع الناصرية النفطي، وحقل بلد، والرقع الاستكشافية الأخرى، ليس مجرد عقد جديد يُضاف إلى سجل العراق الطويل من العقود النفطية، بل هو إشارة فارقة على تحوّل ستراتيجي في نهج بغداد تجاه الشركات العالمية، ولاسيما الأميركية منها، بعد سنوات من فتور العلاقات وتردد المستثمرين الغربيين. عودة (شيفرون) تحمل في طياتها أكثر من معنى، فهي تعكس رغبة الولايات المتحدة في استعادة حضور مهم في سوق الطاقة العراقي، في وقت تتسابق فيه الشركات الصينية والروسية لتثبيت أقدامها على أرض العراق. كما تمثل الاتفاقية تحوّلًا في نموذج التعاقدات العراقية، حيث بدأت بغداد تبني آليات مرنة قائمة على المشاركة في الأرباح بدل العقود التقنية التقليدية، ما جعل العراق وجهة أكثر جاذبية للاستثمارات الكبرى. تنمية مستدامة شركة (شيفرون)، التي بدأت رحلتها منذ أكثر من مئة عام، حفرت اسمها في صفحات صناعة النفط العالمية عبر مشروعات كبرى امتدت من الولايات المتحدة إلى إفريقيا وأميركا اللاتينية، لتصبح مرادفًا للخبرة والتقنية المتقدمة. ومن خلال تاريخها الطويل في الاستكشاف والتطوير والإنتاج، حملت شيفرون معها خبرات عميقة ونماذج ناجحة للتنمية المستدامة، وها هي اليوم تعيد هذه التجربة إلى العراق، مستعدة لإدخال التكنولوجيا الحديثة وبناء شراكات طويلة الأمد مع القطاع النفطي المحلي. إذا ما طُبّقت الاتفاقية بفاعلية، فإن العراق قد يشهد زيادة تدريجية في إنتاجه النفطي تصل إلى نحو 600 ألف برميل يوميًا خلال سبع سنوات، ما يعزز قدرته التصديرية وينوع شركاءه الدوليين. كما تفتح الباب أمام نقل التكنولوجيا والخبرات الحديثة، وتطوير الكوادر المحلية، وزيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني وقطاعات أخرى متشابكة مع الطاقة. تحديات سياسية لكن الطريق ليس مفروشًا بالورود، فبيئة الاستثمار في العراق لا تزال تعاني من بيروقراطية معقدة وإجراءات مرهقة، إضافة إلى تحديات سياسية قد تؤخر التنفيذ أو ترفع كلفة المشاريع. كما أن أية زيادة في الإنتاج قد تصطدم بالتزامات العراق في (أوبك+)، مع الحاجة إلى استثمارات ضخمة في خطوط الأنابيب والتصفية واستغلال الغاز المصاحب، وهي مجالات تشهد فجوات هيكلية كبيرة. الاتفاقية تحمل أيضًا رسائل جيوسياسية بالغة الأهمية، إذ بينما توسع الصين نفوذها عبر عقود طويلة الأمد، وتسعى روسيا للحفاظ على مكانتها في المنطقة، فإن دخول شيفرون يعيد التوازن للعراق، ويفتح له مساحة أكبر للمناورة على الصعيد الدولي. النفط، إذن، ليس مجرد مورد مالي، بل ورقة توازن ودبلوماسية ستراتيجية. فرصة تاريخية نجاح الاتفاقية لن يقاس فقط بحجم الإنتاج أو الإيرادات، بل بقدرة العراق على تحويل الشراكة إلى رافعة لتنمية اقتصادية مستدامة، عبر استثمار الغاز المصاحب لتقليل الاستيراد، وبناء طاقات تكريرية تقلل من تصدير الخام واستيراد المشتقات، واتباع سياسات مالية رشيدة تمنع تآكل الإيرادات الإضافية في نفقات غير منتجة. في النهاية، يمكن القول إن الاتفاقية مع شيفرون تمثل فرصة تاريخية لإعادة رسم خريطة الاستثمار النفطي العراقي، وإذا أحسن العراق استغلالها، فقد تتحول إلى نقطة تحول ستراتيجية تضع قطاع الطاقة على مسار أكثر استدامة، وتمنح الاقتصاد الوطني دفعة قوية نحو التنويع والاستقرار، وتعيد للعراق موقعه كلاعب رئيس في سوق الطاقة العالمية.
