حوار: حليم سلمان - تصوير: حسين طالب
تُعدُّ هيأة التقاعد الوطنيَّة واحدة من الركائز الأساسيَّة التي تقوم عليها منظومة الضمان الاجتماعي في العراق، إذ تمثل جسرًا حيويًا بين الدولة ومواطنيها، من العاملين والمتقاعدين. تأسست هذه الهيأة وفقًا لقانون التقاعد الموحد، لتكون الذراع التنفيذيَّة التي تسعى إلى تحقيق العدالة الاجتماعيَّة، وضمان استقرار الحياة الماديَّة والنفسيَّة للمشمولين بقانون التقاعد، عبر توفير مظلة تأمينيَّة شاملة تحمي حقوق الموظفين والمتقاعدين على حد سواء. في ظل التغيرات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة المتسارعة، تبرز أهميَّة الهيأة، ليس فقط كجهة صرف للرواتب التقاعديَّة، بل كمؤسسة ستراتيجيَّة تسعى إلى تعزيز التكافل الاجتماعي، وتنمية أموال التقاعد بحكمة لضمان استدامة الدعم المالي للأجيال الحالية والقادمة، وذلك من خلال سياسات استثمارية دقيقة، وإدارة مالية رشيدة ترتكز إلى الشفافيَّة والمهنيَّة، فضلًا عن تبني التكنولوجيا الحديثة لتسهيل وتطوير خدماتها بشكلٍ يواكب متطلبات العصر ويخفف من أعباء المتقاعدين وأسرهم. مجلة "الشبكة العراقيَّة" كان لها حوارٌ مع رئيس هيأة التقاعد الوطنيَّة ماهر حسين رشيد، ليحدثنا عن صندوق تقاعد موظفي الدولة وأبرز المشكلات التي تواجه عمل هيأة التقاعد والحلول التي أوجدوها خدمة لشريحة المتقاعدين. * حدثنا جنابك عن صندوق التقاعد، ولماذا دُمِجَ مع هيأة التقاعد الوطنيَّة؟ وهل هذا الدمج مثمرٌ وينفعُ المتقاعدين؟ - بداية، ليس هناك دمجٌ لصندوق تقاعد موظفي الدولة مع هيأة التقاعد الوطنيَّة، بموجب قانون 9 لعام 2014 هناك مادة قانونيَّة تعتبر الصندوق تشكيلًا من تشكيلات هيأة التقاعد الوطنيَّة، على اعتبار أن هيأة التقاعد مستواها بمستوى هيأة عليا، واعتبار رئيسها وكيل وزير، فترتبط بها دوائر، وصندوق تقاعد موظفي الدولة يعدُّ إحدى دوائرها، وهو تشكيلٌ من تشكيلاتها. كان هناك نظامٌ خاصٌّ بصندوق تقاعد موظفي الدولة صدر عن مجلس الوزراء في العام 2008، لكن قانون 9 لسنة 2014 المعدل، في العام 2019، أوضح مهامَّ وإجراءات الصندوق، وجعله مؤسسة اقتصاديَّة لا تعنى بالمتقاعد، فقانون الصندوق عام 2008 والقانون الجديد في العام 2014، الذي هو أعلى منه، مع الأسف الهيأة والصندوق لم يعملا على تحديث هذا النظام منذ 2014 وإلى 2025، إذ إنَّه منذ 11 سنة لم يكن هناك تحديثٌ لهذا النظام القديم. ارتأت وزارة الماليَّة، عبر هيأة التقاعد الوطنيَّة، إصدار نظامٍ داخلي لهيأة التقاعد الوطنيَّة ينسجمُ مع أحكام قانون رقم 9 لعام 2014 المعدل، باعتبار الصندوق تشكيلًا من تشكيلات هيأة التقاعد الوطنية، فلا بدَّ أنْ ينسجم مع القانون، فبلا شك أصبح هناك نظامٌ داخليٌ لهيأة التقاعد الوطنيَّة تضمن تشكيلات عدة، ومنها صندوق التقاعد، الأمر الذي يعني أنَّه لا إلغاء لصندوق التقاعد واستحداث للهيأة. فالدمج الذي ذكرته موجودٌ في القانون منذ العام 2014، لكنْ لم يكن هناك نظامٌ داخليٌّ لهذا التشكيلات الموجودة في هيأة التقاعد. كان الصندوق يعمل في جانبين: الأول يعملُ على النظام القديم بوصفه يتعامل مع العمليات المتعلقة بصرف المستحقات وإضافة الخدمة للمتقاعدين، الذي أصبح بعيدًا عنه في القانون الجديد الآن، إذ حدد القانون الجديد مهامَّ الصندوق بثلاث مسائل: 1 - احتساب مبالغ التوقيفات التقاعديَّة وجبايتها. 2 - صرف الحقوق التقاعديَّة للموظفين المحالين إلى التقاعد باعتبارهم دفعوا توقيفات للصندوق فتصرف لهم. 3 - استثمار أموال الصندوق وتنميتها والمحافظة عليها. هذه المهام الثلاث، بالرؤية الحديثة، ذات جانب اقتصادي بحت، الأمر الذي يعني أنه لا تداخل في عمل الصندوق مع عمل المتقاعدين وإضباراتهم ومتطلعاتهم وإجراءاتهم وصرف مستحقاتهم. صندوق تقاعد موظفي الدولة تشكيل إداري لا يزال قائمًا، وفيه مجلس إدارة يرأسه رئيس هيأة التقاعد الوطنية بموجب القانون، وفيه أعضاء مجلس الإدارة. * هل توجد خططٌ مستقبليَّة لجعل صندوق تقاعد موظفي الدولة قادرًا على تغطية نفقات المتقاعدين من دون الاعتماد على موازنة الدولة؟ - الستراتيجيَّة لتحقيق ذلك موجودة في النظام الداخلي للصندوق منذ فترة قبل إصدار القانون الجديد، وبدأنا تنفيذها منذ نحو عامين. يواجه الصندوق حالياً عجزًا ماليًا ناجمًا عن قلة تدفقات التوقفات التقاعديَّة مقارنة بالأموال المصروفة كرواتب للمتقاعدين، هذا العجز تفاقم منذ العام 2019 عندما تمَّ تعديل قانون هيأة التقاعد الوطنيّة وخفض سن التقاعد من 63 إلى 60 سنة، الأمر الذي أدى إلى إحالة أعدادٍ كبيرة للتقاعد دفعة واحدة، ما تسبب في إلغاء توقيفاتهم التقاعديَّة وصرف الرواتب لهم في الوقت ذاته. لمعالجة هذا العجز، اعتمدنا ستراتيجيَّة للاستثمار في مشاريع متنوعة ذات مخاطر منخفضة، أو معدومة نهائيًا، بدءًا من الودائع المصرفيَّة في البنوك الحكوميَّة، ثم توسعنا إلى الاستثمار في القطاع السكني، لما له من رواج وربحيَّة اقتصادية عالية. كما أسسنا شركة عامَّة بالتعاون مع وزارة الاتصالات، ودخلنا في رخصة الجيل الرابع للاتصالات، وبدأنا في إنشاء شبكة للطاقة الشمسيَّة. علاوة على ذلك، شاركنا كمساهمين في مصرف الرافدين، وغيرها من المشروعات التي تستهدف زيادة إيرادات الصندوق وتعزيز استدامته الماليَّة. * ما أبرز المشكلات التي تواجه عمل هيأة التقاعد، لاسيما بعد طرح العديد من الإصلاحات التي أسهمت في مساعدة المواطنين ولمسها المتقاعد؟ - التحديات التي تواجه هيأة التقاعد تتمثل في جانبين: الجانب الأول يتعلق بالموارد البشريَّة، والآخر يتعلق بالموارد الماليَّة، فضلًا عن تحديات البنى التحتيَّة التابعة للهيأة، من وجهة نظري هذه البنايات أصبحت لا تليق ولا تناسب أعداد المتقاعدين. إزاء هذه التحديات والمعرقلات، لدينا حلولٌ ناجعة، إذ بدأنا بالقضاء على البيروقراطيَّة من خلال الاستعانة بالتكنولوجيا، وبدأنا بالأتمتة والتحول الرقمي، الذي أسهم كثيرًا في تسهيل حركة المراجعين وتقليل أعدادهم، علاوة على التوجه نحو إنجاز المعاملات التقاعديَّة في وزارات الدولة والانتقال إلى المناطق المكتظة سكانيًا، كمناطق شرقي القناة والحسينية والشعلة والحريَّة، وافتتاح ملاحظيَّة تقاعديَّة فيها لتقدَّم خدماتها للمواطنين في داخل هذه المناطق بغية التخفيف عن كاهل المتقاعد. كما لجأنا أيضًا إلى استخدام تطبيقاتٍ الكترونيَّة عبر أجهزة الهاتف المحمول والآيبادات والحواسيب المحمولة بهدف تقديم الخدمات وإثبات الحياة وغيرها من الأمور التي تخص المتقاعد. ولمعالجة أزمة البنية التحتيَّة لهيأة التقاعد الوطنية، تسلمنا قطعة أرض بمساحة 8 دونمات في مطار المثنى وشرعنا بتهيئتها، وقريبًا جدًا سنضع التصميم الأساس لبناء صرحٍ كبيرٍ يليق بالمتقاعدين. أما الجانب المالي، فيتمثل بقلة التخصيصات، فضلًا عن أننا لا يمكننا التصرف بأموال صندوق التقاعد، لأنها أموالٌ مودعة للمتقاعدين. * من خلال عمر وتوجيه الحكومة الحالية نحو الأتمتة، هل فتحتم قسمًا يضمُّ متخصصين ومهندسين للعمل على تطوير هذه المنصات لخدمة المتقاعدين؟ - لدينا مركزٌ كاملٌ اسمه (مركز الحاسبة المركزيَّة)، فيه قاعدة متكاملة لبيانات المتقاعدين، مؤمنة بالكامل، وفيه استضافات في مواقع عدة للحفاظ على المعلومات في حال حدوث أي خلل، ومتابعٌ من قبل الجهات المختصة ويعمل بالتنسيق مع جهات معنيَّة في حال حدوث خلل لا سمح الله. * كيف قللتم من نسبة الاحتيال والازدواج في تسلم الرواتب؟ - الأتمتة والتحول الرقمي قضيا على عمليات الاحتيال واللجوء إلى المزورين والمعقبين والازدواج في تسلم الرواتب بالكامل. * إلى أي مدى أسهمت الأتمتة في تسريع إنجاز معاملات المتقاعدين؟ - أسهمت بشكلٍ كبيرٍ جدًا في تبسيط الإجراءات وتقديم الخدمات، إذ بدأت دوائرنا تفرغ من المراجعين بسبب الخدمات الكبيرة التي تقدمها للمتقاعدين. * قسم شكاوى المواطنين، هل يقدم لكم بياناتٍ تحليليَّة لغرض الإفادة منها بحل مشكلات المتقاعدين. - أية شكاوى متعلقة تدخل النظام، أو في يوم المقابلات، عندما ألاحظ وجود ظاهرة أو مشكلة عامَّة، فإنَّها تدخل بالتحليل، ونقوم بحل هذه المشكلة ومعالجتها نهائيًا، في السابق لم نكن نستطيع حلها أو اكتشافها. أما الحالات الفرديَّة فلا يمكن معالجتها. كما نعمل مع شركات متخصصة على التحول الرقمي برمّته، كذلك على أرشفة جميع الأضابير التقاعديَّة، التي هي بحدود الأربعة ملايين إضبارة، لاختصار الجهد والوقت وعدم إضاعتها. * هل يوجد لديكم مشروعٌ خاصٌّ بكم يختص بالبطاقة البايومتريَّة؟ - في السابق كانت تصرف للمتقاعد هويَّة ورقيَّة، ليست تعريفيَّة، نحتاجها فقط لمعرفة الرقم التقاعدي وصنف المتقاعد والقسم الذي يذهب إليه لسجب إضبارته في ضوء هذا الرقم، لكنْ في التحول الرقمي الحديث تصدر هوية رقميَّة فيها "سيم كارت" يتضمن هويته التعريفيَّة وفي الوقت ذاته يحمل جميع معلومات المتقاعد. * كيف تتعامل الهيأة مع شكاوى المتقاعيدن بخصوص تأخر رواتب المتقاعيدن والتعقيدات الإداريَّة؟ - لدينا قسمٌ جديدٌ استحدثناه لشؤون المواطنين يستقبل كلَّ المطالبات المتعلقة بالمتقاعد، وأيضًا استحدثنا خطًا ساخنًا يعمل أربعًا وعشرين ساعة، وأيضًا في التطبيق التقاعدي توجد أيقونة تستقبل طلبات وشكاوى المتقاعدين، فضلًا عن الجانب الميداني لاستقبالهم. بخصوص تأخر رواتب المتقاعدين أود أنْ أخبركَ أنَّ هيأة التقاعد الوطنيَّة تبدأ بصرف الرواتب التقاعديَّة في أول يوم من بداية كل شهر، وحصل أنْ تأخرت الرواتب في مرتين فقط، والسبب كان وجود عُطلة رسميَّة في اليوم الأول من الشهر، ما سبب غلق المصارف فينتقل الصرف الي اليوم الذي يليه. وأودُّ الإشار الى أنَّ هيأة التقاعد ليست هي المسؤولة عن صرف الرواتب، إذ تعمل الهيأة في اليوم الخامس والعشرين من الشهر ولمدة خمسة أيام، أي الى اليوم الثلاثين من الشهر، على استكمال ورفع البيانات الى المصارف في سبيل صرف الرواتب، لكنْ في بعض الأحيان تكون هناك عطلٌ رسميَّة، الأمر الذي يسبب تأخيرًا في صرف الرواتب من قبل المصارف، وليس الخلل في هيأة التقاعد. وفي بعض الأحيان يكون هناك خلل في تحويل الأموال من الموازنة لحساب المصارف، أي في نظام المدفوعات "الآر تي جي سي". * هل هناك برامج إضافيَّة تعمل عليها الهيأة مثل السكن والتأمين الصحي؟ - لقد حصلنا على موافقة دولة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لمنح قطع أراضٍ سكنية للمتقاعدين، وقد بدأت بعض دوائر البلديَّة بتسجيل أسماء المستفيدين، إلا أنَّ الإجراءات لا تزال بطيئة، ولم نشهد حتى الآن توزيع قطع أراضٍ في أية محافظة. ومن خلال هذا المنبر، أطالب جميع الدوائر البلديَّة والمحافظين بتسهيل وتوفير قطع أراضٍ سكنية للمتقاعدين. في ما يخص التأمين الصحي، فقد عملنا على توفير التأمين للمتقاعدين مع الجانب الحكومي فقط، إذ لم نجد عروضًا في القطاع الخاص تلبي تطلعات المتقاعدين. ونتيجة لبعض الإجراءات السابقة التي أثارت شبهات فساد، لجأنا إلى وزارة الصحة، التي بدورها أطلقت برنامج التأمين الصحي للمتقاعدين. وقد سجل لدينا الآلاف من المستفيدين، وبدأنا بتوفير دفاتر التأمين الصحي لهم، علماً أنَّ المشاركة في هذا البرنامج اختياريَّة وليست إجباريَّة، وأنا أعارض أي استقطاع مالي إجباري من رواتب المتقاعدين. * هل هناك تعديلات مقترحة على قانون التقاعد؟ - هناك قصور تشريعي في قانون التقاعد الحالي، إذ يعاني القانون من نقص وتضارب في بعض مواده، فضلًا عن غياب نصوصٍ واضحة تعالج المستجدات والتحديات الحديثة. فالقانون الحالي لا يشمل بعض الفئات الجديدة التي أضيفت إلى هيأة التقاعد، مثل ضحايا الإرهاب، والمفصولين السياسيين، ومجالس المحافظات، وغيرها من الحالات الخاصَّة. من بين التعديلات المطروحة، إعادة تحديد السن القانونيَّة للتقاعد لتصبح 63 سنة بدلًا من 60 سنة، علاوة على منح رئيس الوزراء صلاحيَّة إصدار استثناءات في حالات معينة. وقد تمَّ اتخاذ خطوات عمليَّة مع مجلس النواب لتحقيق هذه التعديلات، إلا أنَّ التحدي الأكبر يكمن في الأعباء الماليَّة التي قد تتحملها الدولة نتيجة لهذه التعديلات، الأمر الذي يثير قلقًا بشأن قدرة الموازنة العامَّة على توفير التمويل اللازم. * رسالة أخيرة للمتقاعدين.. - تأسست هيأة التقاعد الوطنيَّة بهدفٍ رئيسٍ هو خدمة المتقاعدين، وهي تضع ضمن خططها وأولوياتها تقديم جميع الخدمات التي تلبي احتياجاتهم وتحافظ على حقوقهم الماليَّة، لاسيما في ما يتعلق بصندوق تقاعد موظفي الدولة. كما تسعى الهيأة بشكلٍ مستمرٍ إلى التنسيق مع المؤسسات التشريعيَّة والجهات المعنيَّة الأخرى لضمان تقديم أفضل الخدمات ودعم هذه الشريحة المهمة من المجتمع.