100%
زياد جسام
ما تزال قضية حضور المرأة في المشهد الثقافي العراقي، تثير الكثير من النقاشات بين الأوساط الأدبية والفكرية، ولاسيما مع تراجع مساحة مشاركتها الفعلية في المهرجانات والفعاليات الثقافية، على الرغم مما تمتلكه من طاقات إبداعية قادرة على إغناء المشهد الثقافي والفكري. تحدثنا مع عدد من الشخصيات الثقافية عبر هذا الاستطلاع للوقوف على هذه الظاهرة وأسبابها، واستجلاء موقع المرأة الحقيقي.
الناقدة موج يوسف ترى أن المشهد الثقافي العراقي اليوم يعاني ضعفًا واضحًا في حضور المرأة، بصفتها صانعة وشريكة في العمل الثقافي.
مشيرة إلى أن المتتبع للإصدارات الأدبية والفنية، من كتب ونحت وتشكيل ودراما، سيلاحظ ندرة الحضور النسوي، خصوصًا في مجال النقد، الذي يعد تخصصها. وتضيف: أن هذا الغياب جعل الثقافة العراقية تبدو وكأنها ترتدي "ثوبًا خشنًا لا يليق بها"، وأن مرد هذه الخشونة هو غياب المراة الفعلي عن الفضاء الثقافي. وترجع ذلك إلى أسباب عدة، أبرزها اختفاء المدنية من المجتمع، ما جعل حضور المرأة ومشاركتها مدعاة للقلق عند بعضهم، إذ لم نعد نرى أمسيات شعرية أو فنية نسوية تحظى بحضور كبير، كما كان الحال في الماضي، أيام الزحام على أمسيات لميعة عباس عمارة، أو ليلى العطار.
وتشير يوسف إلى أن المؤسسات الثقافية، بقيادتها الرجالية، ما زالت تضيق على الكاتبة والفنانة، وتمنع مشاركتها الكاملة، الأمر الذي ولد الإحباط وفقدان الإيمان بالفعل الثقافي لدى العديد من المبدعات.
وترى أن تجاوز هذه التحديات يبدأ من إصرار المرأة نفسها على المشاركة الفاعلة، والتأكيد على دورها الحيوي في تنويع الصوت الثقافي، وبناء هوية المواطنة، واستعادة المدنية الغائبة.
مؤكدة أن الفعل الثقافي المشترك بين الرجل والمرأة هو أحد أهم أركان التطور وبناء المجتمع الواعي.
ديمومة الإبداع
أما الروائي محمد الأحمد، فقد تناول القضية من زاوية فلسفية، مبينًا أن بعض المناهج الاجتماعية تسعى إلى السيطرة على الإنسان، عبر تقييد غرائزه وتدجينه، ما يؤدي إلى عزل المرأة عن الرجل، وتحويلها إلى كائن محدود الدور، فيفقد كلا الطرفين إنسانيته المتكاملة.
ويؤكد الأحمد أن الاختلاط بين الجنسين ليس ترفًا اجتماعيًا، بل حاجة فسيولوجية وإنسانية تمنح الإنسان توازنه وديمومته الإبداعية.
فدور الأنثى لا يختلف عن دور الذكر، بل إن التقاءهما هو سر الإبداع وحيوية الوجود، ومن خلال هذا اللقاء تثمر الأرض وتزدهر الحياة.
تجربة إنسانية
من جانبها، ترى الإعلامية جمانة ممتاز أن المرأة العراقية قطعت شوطًا مهمًا في طريقها الثقافي، وإن لم تنل بعد المساحة التي تستحقها في المشهد العام.
وتوضح أن ما طلب من المرأة كان مضاعفًا، إذ كان عليها أن تثبت جدارتها كامرأة أولًا، ثم كمبدعة بعد ذلك. وتشير إلى أن هناك كاتبات وشاعرات وباحثات أثبتن أن صوت المرأة لا يقل وزنًا عن صوت الرجل، بل يضيف بعدًا جديدًا للتجربة الإنسانية.
وتؤكد أن التحدي الحقيقي لا يكمن في القدرة على الإبداع، بل في مساحة الانتشار والاعتراف، لأن البنى الثقافية التقليدية ما زالت تحاصر المرأة وتضعها في إطار ضيق.
وتدعو ممتاز إلى ضرورة قراءة منجز المرأة، بعيدًا عن المقارنات الجندرية، بنظرة نقدية منفتحة تحاكم النصوص، لا الأسماء.
إسهامات مهمة
وفي ختام الاستطلاع، يؤكد الكاتب عباس لطيف أن المرأة لم تعد كائنًا تابعًا، بل شريك أصيل في صناعة الفكر والإبداع، وقد تمكنت من ترسيخ حضورها في مختلف الميادين الثقافية بجدارة واستحقاق.
ويشير إلى أن المبدعات العراقيات قدمن إسهامات مهمة في السرد والمسرح والنقد، مثل لطفية الدليمي، وعالية ممدوح، وميسلون هادي، وهدية حسين، وإيناس البدران، وبشرى موسى، ونادية هناوي سعدون، وأشواق النعيمي، وغيرهن من الأصوات النسوية المؤثرة.
ويرى لطيف أن العقل الإنساني واحد لا يقسم بين رجل وامرأة، وأن الإبداع لا يعرف جنسًا، بل وعيًا حرًا. ويعتبر أن مصطلح " الأدب النسوي"، الذي اعترض عليه الكثير من الكتّاب، ليس سوى قيد لغوي يحاول حصر التجربة الإنسانية، بينما الإبداع، في جوهره، إنساني مشترك يتجاوز الهوية، ليعبر عن روح الإنسان الباحثة عن الجمال والمعنى.