بيض فابرجيه… حين تتحوّل المجوهرات إلى أيقونة خالدة

اسرتي

بيض فابرجيه… حين تتحوّل المجوهرات إلى أيقونة خالدة
100%
ميساء فاضل منذ أكثر من قرن من الزمان، تحوّلت بيضة صغيرة من الذهب والمينا المرصعة بالأحجار الكريمة إلى أحد أعظم رموز الفخامة والحرفية في التاريخ الحديث. إنها (بيضة فابرجيه) التي تخطّت وظيفتها كهدية إمبراطورية لتغدو تحفة فنية تجسّد قمّة الترف، ومرآة لحقبة كاملة من الإبداع والتاريخ الملكي الروسي. ولادة الأسطورة بدأت الحكاية عام 1882، حين تسلّم بيتر كارل فابرجيه إدارة ورشة المجوهرات العائلية في سانت بطرسبرغ، روسيا. وبرفقة شقيقه أغاثون، أحدث الشقيقان ثورة فنية في عالم الصياغة، إذ ابتعدا عن الأساليب التقليدية التي كانت تركز على البذخ الماسي، وقدّما بدلًا عنها تصاميم تستلهم الفنون الزخرفية والألوان الحية، مع إحياء تقنيات المينا التي كانت قد اندثرت. ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت أعمال فابرجيه مرادفًا للرقي والجودة، وبدأت أعماله تحظى برعاية القصر الإمبراطوري الروسي، حيث صُنِّف كـ (الصائغ الخاص للتاج الإمبراطوري)، وهو لقب لم يُمنح إلا لأرفع الحرفيين. الفصح الأول عام 1885، قدّم الإمبراطور ألكسندر الثالث أول بيضة فابرجيه لزوجته الإمبراطورة ماريا فيودوروفنا بمناسبة عيد الفصح. كانت تلك البيضة البيضاء البسيطة من المينا تحتوي على مفاجأة صغيرة في الداخل: دجاجة ذهبية مصغّرة، ما أثار دهشة الإمبراطورة وأعجابها. ومنذ تلك اللحظة، أصبح تقديم (بيضة فابرجيه) تقليدًا سنويًا لدى العائلة الإمبراطورية. وخلال فترة حكم نيقولا الثاني، صُنعت 50 بيضة إمبراطورية، قُدّمت منها اثنتان كل عام: واحدة لوالدته، والأخرى لزوجته الإمبراطورة ألكسندرا. لم تكن بيضات فابرجيه مجرّد حليّ مزخرفة، بل كانت تحفًا دقيقة تُظهر مزيجًا مذهلًا من الفنون والهندسة الميكانيكية. كانت تصنع من الذهب الأبيض والأصفر والوردي، وتُطعّم بالألماس والياقوت والزمرد واللؤلؤ، وتُزيَّن بالمينا الملونة والأحجار الكريمة النادرة. بعض هذه البيضات كان يخفي في داخله ساعات معقدة، أو تماثيل مصغرة، أو نماذج ثلاثية الأبعاد لكاتدرائيات، وحتى عربات تجرّها الخيول. وكان من بين أبرز عناصر الدهشة فيها: المفاجأة المخبأة بعناية داخل القشرة البراقة. روائع خالدة من بين 50 بيضة إمبراطورية صمّمها فابرجيه، برزت مجموعة منها كأيقونات فنية نادرة، منها: - بيضة الدجاجة (1885): أولى البيضات، ذات قشرة مطلية بالمينا البيضاء، تحتوي على دجاجة ذهبية مصغرة. - بيضة عصر النهضة (1894): مصنوعة من العقيق ومزينة بمينا غير شفافة، تُعتبر من أروع قطع فابرجيه. - بيضة التتويج (1897): أهداها نيكولاي الثاني لزوجته كتذكار لتتويجهما في كاتدرائية أوسبنسكي. - بيضة زنابق الوادي (1898): مرصعة بالماس واللؤلؤ، تجسد الزهرة المفضلة للإمبراطورة. - بيضة موسكو الكرملين (1906): تتميز بتصميم مستوحى من العمارة الروسية البيزنطية. - بيضة نوبل الجليدية (1914): مغطاة بمينا شفافة تحاكي بلورات الثلج، وتحتوي على ساعة بلاتينية مرصعة بالماس. - بيضة وسام القديس جورج (1916): أُهديت إلى الإمبراطورة الأرملة، وتحمل رمز الشجاعة والتقدير العسكري. هواة الاقتناء لم تكن العائلة الإمبراطورية الروسية وحدها من اقتنت بيض فابرجيه، فقد تسابق جامعو التحف والنخب العالمية على اقتنائها لما تمثّله من قيمة تاريخية وفنية. ومن أبرز المقتنين: دوقة مارلبورو التي حصلت على بيضة خاصة أثناء زيارتها إلى روسيا، وكذلك الملياردير الأميركي مالكولم فوربس الذي امتلك مجموعة كبيرة من هذه التحف قبل أن تُباع لاحقًا. تُعد بيضات فابرجيه من بين أغلى القطع الفنية في العالم. أسعارها في المزادات تتراوح بين مئات الآلاف إلى عشرات الملايين من الدولارات، بحسب ندرتها وجودتها ومحتواها. واليوم، يعرض العديد منها في متاحف عالمية، أبرزها: - متحف فابرجيه – سانت بطرسبرغ - متحف الكرملين – موسكو - متحف فيكتوريا وألبرت – لندن - مجموعة فوربس الخاصة سابقًا – الولايات المتحدة قد تكون بيضات فابرجيه ارتبطت بالعصر الإمبراطوري الروسي، لكنها نجحت في تجاوز الزمن والسياسة، لتظل رمزًا خالدًا للحرفية، والذوق الرفيع، والتفرد الفني. واليوم، بعد أكثر من 140 عامًا على ولادة البيضة الأولى، لا تزال كل بيضة تروي حكاية من المجد والجمال… حكاية بيض فابرجيه.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج