مظفر النواب.. الروح العراقية العذبة

ثقافية

مظفر النواب.. الروح العراقية العذبة
100%

لندن - فيصل لعيبي صاحي/

لم تتسنّ لي رؤية الشاعر الكبير مظفر النواب شخصياً إلا في باريس عام1977، على ما أتذكر، في زيارة خاطفة له. لكننا سابقاً كنا نردد قصائده في سفراتنا الجامعية أيام الدراسة في بغداد، ونسمع عنه قصصاً وحكايات. كان ذلك اللقاء في بيت الصديق العزيز الفنان التشكيلي القدير نعمان هادي سلمان، حيث جمعتنا جلسة عراقية بامتياز. صاحبتها الموسيقى والغناء والسياسة والحنين إلى بلاد النهرين الآسرة. في تلك الليلة عزف لنا الفنان التشكيلي المبدع، الصديق العزيز غسان فيضي، على العود مصاحباً تراتيل شاعرنا الكبير، الذي أسمعنا قصيدة (حسن الشموس) العجيبة، وبعضاً من نواحه المعروف على بلادنا المنكوبة. وقد تمتعنا وقتها بكرم مظفر وأريحيته وتجاوبه مع ما كنا نرغب في سماعه منه، فغنى لنا بصوته الشجي الحزين وبحّته الدامية ما طاب له الغناء، فسكرنا مع الهموم المبثوثة في كلماته ومعانيها ومأساتنا التي ترافقنا أينما حللنا. قد يكون مظفر هو الشاعر الوحيد الذي دفع بالقصيدة العامية (الشعبية) إلى المقدمة، وجعلها تظهر في الصحف بعد قصائد الملا عبود الكرخي، فحولها إلى سلاح جاد وخطير تتوجس منه الأنظمة التي توالت على عراقنا، فأعماله الشعرية، باللهجة العراقية الجنوبية بالذات، لها سحرها الخاص وفعاليتها الأكيدة في ضمائر العراقيين من الجنسين، ولاسيما تلك القصائد الغزلية العذبة التي نادراً ما نراها عند غيره بمثل تلك الرهافة والحساسية والجمال. لكني كثيراً ما أتساءل مع نفسي، وربما أكون على خطأ، لماذا كان (أبو عادل)، وهو الماركسي الجاد والثوري الذي لا غبار عليه، يستخدم القيم وحتى الأعراف الريفية في تناوله الموضوعات الثورية والاجتماعية؟ هل كان ذلك بسبب رغبته في إيصال ما يريد قوله إلى أوسع عدد من الناس وأكثرهم بعداً عن المعرفة الحديثة لسكان المدن؟ فالبطل لديه أقرب إلى الفلاح منه إلى ابن المدينة، أو المثقف العارف ببواطن الأمور وتعقيدات السياسة والمجتمع، وهو يعتمد على تقاليد الريف، وحتى أخلاقه، مثل الثأر والنخوة والرجولة، وغيرها من المعاني السائدة هناك. وعلى الرغم من روائعه الشعرية الثورية تلك، لكني أميل إلى قصائده الغزلية التي تعكس حرمانات الأنثى العراقية وأشواقها التي لاتنطفئ، فهو يمتلك لغة ساحرة من حيث قاموسها اللغوي: ترف ومرهف ورقيق وحساس، وكأن المتكلم امراة وليس رجلاً. مع مظفر، أصبح للشعر العامي العراقي موقع متقدم وطليعي في خوض غمار النضال ضد الفساد والتعسف والعدوان، ضد الأنظمة الاستبدادية والرجعية العميلة، لكنه مع الحرية والسلم والديمقراطية، فقد استطاع أن يمزج تقاليد مجتمعنا السائدة مع القيم الثورية الحديثة ويجعل منها نسيجاً من الصور والمواقف التي تهز كيان المجتمع وترعب الطغاة وتقض مضاجعهم.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج