100%
عدي حمزة جاسم *
كتب أدولف هتلر ما يلي: "لقد قررت بنفسي، بعد محاولات كثيرة، وضع شكل نهائي، وهو علم بخلفية حمراء وقرص أبيض وصليب معقوف أسود في الوسط، فبعد محاولات طويلة، وجدت أيضًا نسبة محددة بين حجم العلم وحجم القرص الأبيض، وكذلك بين شكل وسمك الصليب المعقوف، حيث سيصبح هو الرمز الذي لا يُنسى للدعاية النازية (السواستيكا)." ليتحول هذا الرمز إلى رمز للكراهية، بعد أن كان يمتلك دلالات فكرية ومكانة مقدسة في الثقافات والديانات المختلفة.
بعد فلسفي
قبل أن يتبناه النازيون كرمز للحظ السعيد والبركة، وهي الخصائص التي نظر بها النازيون إلى حركتهم وصعودهم إلى السلطة، كان انتشار هذا الرمز بين الثقافات والحضارات المتعددة، يبين الأهمية الرمزية والحضارية التي اكتسبها في المعنى الفلسفي والجاذبية الهندسية والدلالة الإيجابية عند المجتمعات المختلفة. يقال إن تاريخ أقدم صليب معقوف اكتشف في مدينة Mezine في أوكرانيا، وقد كان محفورًا على تمثال عاجي. بينما أوضحت بعض الدراسات أن ثقافة (فينكا)، التي يعود تاريخها إلى 5400-4500 ق. م، واحدة من أقدم الثقافات التي استخدمت الصليب المعقوف، وهي ثقافة (نيوليتية) في جنوب أوربا. وقد تبين استخدامه في اليونان القديمة، وعثر عليه في بقايا مدينة طروادة التي كانت موجودة قبل 4000 عام، كما استخدم (الكلتيون)، وكهنتهم (الدرويد)، هذ الرمز الذي اكتشف في الكثير من القطع الأثرية التي تعود لهم، بينما احتل المكانة السامية في الديانة البوذية والهندوسية و(الجاينية)، إذ يعود تاريخه في هذه الديانات إلى القرن الثاني قبل الميلاد، فالكلمة لها أصولها في اللغة السنسكريتية، وهي تعني الرفاهية والصحة الجيدة والحظ السعيد، فلو قلبت باطن قدمي تمثال بوذا لوجدت الصليب المعقوف محفورًا بشكل واضح، وستراه في مركز التماثيل المتنوعة له، حيث يكون فيها الصليب متوسطًا المشهد لتمثيل الدورة الأبدية، وهو ما أطلق عليه البوذيون اسم (العجلة)، فالدورة الأبدية التي احتلت حركة الأعمدة المعقوفة قد وزعت بين الولادة والحياة والموت والولادة الجديدة كعناصر محددة للوجود الكوني.
حركة كونية
أما في الديانة (الجاينية)، فكثيرًا ما يستخدم هذا الرمز عند بداية الشروع في مسعى هام، أو بدء حدث مهم في الحياة اليومية، أو عند ممارسة الطقوس الروحية، ففي الغالب يبدأ الجاينيون بممارسة الحفل الديني، أو الطقس الروحي، برسم صليب معقوف على الأواني والأغراض المتعددة التي سوف تستعمل في خزن المواد. وبسبب المكانة القدسية للصليب المعقوف في هذه الديانة، يجري رسمه على أبواب منازلهم عند الاحتفال برأس السنة الجاينية، طلبًا للصحة الجيدة والتفاؤل بما هو مقبل في مرور الأيام.
أما في بلاد فارس فكان معظم الأقوام الآرية يؤمن بالصليب المعقوف، إشارة إلى العناصر الكونية: الماء والنار والتراب والهواء، وأن عملية الدوران التي تشكلها حركة الأعمدة في الصليب ما هي إلا إشارة للحركة الكونية.
قوة الخصب
شغلت المتغيرات الكونية تفكير الإنسان في الأدوار الحضارية لعصور ما قبل الكتابة في وادي الرافدين منذ الألف السابع قبل الميلاد، كونها ارتبطت بحياته الطبيعية في الخصب وشحة الأمطار ومعالجة الأمراض التي كان يجهل ماهيتها وأسباب انتقالها له، فكان شعوره الأول يدور حول فكرة الخصب، وهو ما جعلها تمتلك جوهر حياته الفكرية والروحية، فنظر الى الطبيعة بكونها القوى المتحكمة في نشوئه والمسيطرة على متغيرات حياته الطبيعية، فتحول اهتمامه نحو طلب رضا تلك القوى الغيبية المجهولة، التي كان ينظر إليها عبر مفردات الطبيعة ومخلوقاتها المنتشرة، فتحولت قوة المقدّس إلى قوى الخصب والنماء، التي تمثلت عنده بالآلهة الأم في بداية الأدوار الحضارية.
صليب وادي الرافدين
جرى ابتكار هذا الرمز في ثقافة وادي الرافدين عند أدوار ما قبل الكتابة إلى الخصب المتحرك، أو الذي يأتي من بعد طقس، أي بحدود 7000 - 3500 ق.م، حيث ظهر الصليب المعقوف على هيئة خطين، أحدهما أفقي والآخر عمودي، كُسر طرفاهما العلويان دلالة على الحركة، إذ أظهر تلك الحركة كدوران حول المركز، فتشكل بتلك الهيئة الصليب المعقوف في المركز، فلقد كان هذا الرمز تعبيرًا عن الأنوثة الإلهية المتحركة، بينما تحول هذا الرمز في أدوار حلف والعبيد إلى رمز الذكورة.
وبسبب تنامي الفكر الرافديني في مغازلة القوى الكونية وتنوع الابتكار في أداء الطقس السحري، فقد وظف شكل الصليب المعقوف وحركته في تكوين الطقس السحري بالأشكال البشرية والحيوانية، سواء كان الطقس المرسوم يحتوي على شكل بشري أو حيواني، لكن الحركة الدورانية للأشكال في الأطباق كانت نتاج ثقافة ذلك الصليب المعقوف، ونتاج حركتها في تكوينه، فلقد تميزت أربع قطع فخارية من إنتاج دور سامراء بنوع هذا الصليب، كانت إحداها طقسًا سحريًا لطلب الاستسقاء، إذ كونت شكل الصليب المعقوف أربع نساء عاريات، في تكوين يدل على الحركة، في ترميز وجود الريح، لكسر شعر النساء، وتوزيع ذلك الشعر المنكسر إلى جهة من الجهات الأربع لكل امرأة، وكذلك استخدم الشكل الحيواني في تكوين هذا الصليب في أحد الأواني الفخارية لدور سامراء، فكانت الجِداء الأربعة التي تدور حول بركة ماء، أو شجرة في المركز، وتوظيف القرون في تكوين الحركة لتكوين الصليب. اما في تماثيل الآلهة الأم، التي انتشرت خلال هذه الفترة الحضارية، كانت للصليب المعقوف مكانة سامية في تمركزه في بعض المنحوتات الفخارية، ما يدل على أسبقية بلاد الرافدين، وأسبقية ذلك المفكر الأول، والمبدع الأول، في إيجاد تلك العلاقة الفكرية الإبداعية لإيجاد حلول فلسفية وجدانية عن الهواجس المجتمعية نحو هذا الكون المتغير. ومن بين هذه الحلول ابتكاره للصليب المعقوف، كرمز يشير إلى الحركة الكونية والجهات الأربع والخصب المتحرك.