المرأةُ وسوق العمل طريقٌ مَحفوفٌ بالعَقبات لا يُخيف الطُموحات

ضُحى مجيد سعيد /

لم تعد المرأة اليوم مجرد مشاركة في سوق العمل، بل أصبحت لاعبًا أساسيًا فيه، إذ تخطّت كونها موظفة أو مساعدة، لتصبح صانعة قرار، ومالكة مشروع، ومستثمرة حقيقية في بيئة تتسم بالمنافسة الشرسة. غير أن طريقها إلى هذا الدور لم يكن مفروشًا بالورود، بل اصطدم بجُدران من الأعرافِ والعوائقِ والتصورات النمطية. ومع كل تحدٍ، كانت هناك امرأة تقاوم، تثبت، وتنجح. نافست المرأة الرجل في التحصيل العلمي، وارتدت بذلة العمل بجدارة، لكنها حين قررت دخول عالم (البيزنس) العريض، اصطدمت بجدران غير مرئية صَنعتها نظرةُ المجتمع، والتحدياتُ الاقتصادية، والانحيازاتُ المتجذرة في المؤسسات. شغف واحتراف تقول هلالا عبد الله حمد، وهي صاحبة شركة للمقاولات: "لقد نَحَتُّ في الصخر بأظفاري حتى وجدت مكانًا لي في السوق." لم تكن رحلتها سهلة، إذ بدأت كموظفة تجمع بين العمل والدراسة، بينما تدير بيتها وتربي أبناءها، لكنها واجهت استخفافًا من بعض مسؤولي الإدارات الاقتصادية الذين قلّلوا من قدرات المرأة، تضيف بمرارة: "يعتقد بعضهم أن المرأة وإن كانت فأسًا، فإنها لن تقطع الرأس!" أما ريخوش صالح علي، صاحبة مجموعة تجارية في السليمانية، فترى أن الشغف بالعمل هو سر النجاح: "بدأت التجارة وأنا في المدرسة، وكنت أبيع الأدوات المكتبية لزميلاتي، ومع الوقت تطورت الهواية إلى احتراف." وقد أثبتت عبر تجربتها أن المرأة قادرة على إدارة مشروعات كبرى، تقول: "وجدتُ أن 75 % من تجار الملابس الجاهزة في السليمانية من النساء، وهذا يَدحضُ كل قول إن المرأة لا تستطيع أن تنجحَ في البيزنس." أطياف عبد الله مثال آخر للمرأة التي كسرت القيود. بدأت برأسمال بسيط قدره 100 دولار، واليوم تُنفّذ مشاريعَ بِنيةٍ تحتية كبرى، مؤكدة: "العمل الجيد هو ما يفرض نفسه، سواء كان من رجل أو امرأة." وتتابع بثقة: "إصراري دفعني للاجتهاد والتفوق، ونَجحتُ في الحصول على مشروعٍ ضخم بالرغم من كوني امرأة، وكنت أصغر المتنافسين سنًا." روح المغامرة أما آية فارس القاضي، رئيسة جمعية (جود) في أربيل، فترى أن نشأتها في بيت عشائري كان له أثر بالغ، تقول: "تعلمت كيف أتعامل مع الناس منذ صغري، وهذا ساعدني في بناء شخصية قوية تؤهلني لإدارة مشاريعي بنجاح." تضيف: "نجاحُ المرأةِ في البيزنس يعتمدُ على شخصيتها؛ فالقويةُ تتجاوزُ العقبات، والضعيفةُ تتعثرُ حتى في إدارةِ بيتِها." وتنفي سيدة الأعمال حلا صالح التميمي، وهي من بغداد، صاحبة مصنع للملابس الجاهزة، ما يروج له بأن المرأةَ في مجال الأعمال تنقصها روحُ المغامرة والمجازفة، وأن خياراتها، من حيث النوعية لا الأنشطة التي تمارسها، تُصبح تبعًا لذلك محدودة، موضحة إن "المرأة بطبعها، حذرة جدًا في جميع تعاملاتها، إذ تخاف على موقعها وسمعتها، لذا تراها لا تُقدم على أية مغامرة تجارية إلا بخطى مدروسة، ما يجعل بعضهم يَضعها في صورةِ الخائفة أو المترددة."، لكنها تؤكد: أن "المرأة لم تنل كامل حقوقها في ميدان العمل بعد." مقومات النجاح على الجانب القانوني، يؤكد الدكتور عماد عبد الله الدهام، أستاذ القانون العام: "لا يوجد في القوانين العراقية ما يُميز الرجل عن المرأة في مجال التجارة." لكنه يستدرك موضحًا أن "العقبات لا تزال موجودة أمامها مثل البيئة الاجتماعية والثقافية التي قد تكون عائقًا لا يستهان به، كما أن مسؤوليات الأمومة تضغط على وقت وطموح المرأة، فضلًا عن أن (البيزنس) يتطلب جرأة ومغامرة، وهي صفات يُعتقد أن المرأةَ تفتقرُ إليها، برغم أن الواقع يكشف خلاف ذلك." ويضيف: "المرأة تملك مقومات النجاح القيادي، فهي تديرُ أسرةً ومنزلًا، وهو شكل من أشكال الإدارة لا يختلفُ كثيرًا عن إدارة مشروعٍ تجاري." ويختم بنصيحة: "على المرأة أن تختار القطاع الذي يَنسجمُ مع طبيعتِها، بحيث تُحققُ التميزَ والإبداع." وختامًا، فإن ما تواجهه المرأة في عالم المال والأعمال ليس ضعفًا ذاتيًا بقدر ما هو صِراعٌ مع أفكار مسبقة، وتحديات بنيوية؛ لكن الواقعَ بات يؤكد أن المرأة، حين تُمنح الفرصة وتُهيّأ لها الظروف، لا تقل كفاءة عن الرجل، بل تتفوقُ عليه أحيانًا. هي لا تطلب امتيازًا بل تكافؤ فرص، ولا تسعى للهيمنة، بل للاعتراف بكفاءتها. وفي زمن يتغيّر سريعًا، يبدو أن المستقبل سيحمل وجهاً نسائيًا في مشهد الاقتصاد و(البيزنس).