وسام الفرطوسي /
يعدُّ توطين الصناعة الدوائية في العراق خيارًا ستراتيجيًا لتأمين احتياجات العراق من الأدوية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد وتحقيق التنمية المستدامة. وفي خطوة تعكس رؤية العراق نحو الاكتفاء الذاتي وتطوير الصناعات الحيوية، شرعت الحكومة العراقية في تنفيذ برنامجٍ واسعٍ لتوطين صناعة الأدوية، يُنتظر أن يوفر أكثر من مليار دولار سنويًا كانت تُستنزف في استيراد الأدوية من الخارج. المشروع لا يقتصر على البعد الاقتصادي فقط، بل يلامس مباشرةً أمن البلاد الصحي والسيادي. تشير تقديرات المختصين إلى أن أكثر من 70 % من احتياجات السوق الدوائية العراقية كانت تُستورد من الخارج، ما جعل البلاد عرضة لنقص الأدوية عند الأزمات، وتقلبات الأسعار العالمية. إلا أن الجهود الأخيرة للحكومة العراقية أسفرت عن ارتفاع نسبة إنتاج الدواء المحلي إلى نحو 30 %، مع خططٍ جادة لرفعها إلى 60 % خلال الأعوام المقبلة. مصانع متخصصة وزارة الصحة العراقية بدأت فعليًا باعتماد الإنتاج المحلي، عبر توقيع عقود تجهيز مع مصانع عراقية أثبتت التزامها بمعايير الجودة، فضلًا عن أن الوزارة تعمل بشكل وثيق مع وزارة الصناعة والمعادن وهيئة الاستثمار، لدعم المعامل المحلية وتذليل التحديات أمام المستثمرين. وبحسب مسؤولين، فإن العراق بات يمتلك عددًا من المصانع المتخصصة التي تُنتج أدوية حيوية لمعالجة الأمراض المزمنة والمضادات الحيوية، منها معامل سامراء وشركة أدوية نينوى، فضلًا عن شراكات جديدة مع شركات أجنبية تعمل على نقل التكنولوجيا وتدريب الملاكات. مشروعات جديدة مستشار رئاسة مجلس الوزراء لشؤون الصناعة والمعادن أ.د حمودي عباس حميد اللامي، تحدث لـ"الشبكة العراقية" عن تطوراتٍ مهمة في مجال توطين الصناعات الدوائية في العراق، قائلًا إن "التوطين يوفر أكثر من مليار دولار سنويًا." مؤكدًا أن "34 مصنعًا تعمل بكامل طاقتها حاليًا، وهناك 178 طلبًا لإنشاء مصانع دوائية جديدة." أضاف اللامي أن "الحكومة بدأت منذ الأسبوع الأول من تشكيلها بتنفيذ برنامج لتوطين الصناعات الدوائية، وقد صدرت قرارات من مجلس الوزراء في العام 2023 تدعم هذا التوجه، سواء في المشاريع القائمة عبر توسيعها، أو عبر تقديم تسهيلات للمشاريع الجديدة، من خلال منح قروض للمستثمرين الراغبين في إنشاء مصانع جديدة، أو تطوير مشاريعهم الحالية." ولفت إلى أن "الحكومة قدّمت تسهيلات في ما يتعلق بالضمانات المطلوبة، منها فتح اعتمادات بضمان خطوط الإنتاج، كما تضمنت قرارات مجلس الوزراء إجراءات لدعم توفير المواد الأولية اللازمة لتشغيل المشاريع الصناعية القائمة والمستقبلية، علاوة على مراجعة أسعار الأدوية التي تشتريها وزارة الصحة من المصانع الوطنية، إذ جرى رفع الأسعار إلى أكثر من الضعف، ما أدى إلى ارتفاع قيمة تعاقدات الشركة العامة لتسويق الأدوية من 144 مليار دينار، عند بداية عمر الحكومة، إلى أكثر من 600 مليار دينار حتى الآن، وهي ما تمثل قيمة الأدوية المنتجة محليًا، وتشكل نحو ربع تكلفة الأدوية المستوردة، الأمر الذي يعني توفير أكثر من مليار دولار سنويًا حتى الآن." وأكد أن "عدد طلبات إنشاء مصانع للأدوية والمستلزمات الطبية وصل إلى 178 طلبًا حتى تاريخ 1 تموز الفائت، بعد أنْ كان 100 طلب سابقًا، وتشمل هذه الطلبات مصانع لإنتاج الأدوية، والمستلزمات الطبيَّة، والخيوط الجراحية، والمحاليل الوريديَّة، والسرنجات، وغيرها من الأجهزة الطبية، جاء ذلك بفضل الدعم الحكومي المقدم للمستثمرين." معايير دولية وأوضح اللامي أن "عدد المصانع الدوائية المنتجة في البلاد ارتفع إلى 34 مصنعًا، مقارنة بـ22 مصنعًا عند تشكيل الحكومة الحالية، وهو العدد ذاته الذي استمر منذ إنشاء أول مصنع دوائي عام 1956 وحتى تشكيل هذه الحكومة." موضحًا أن "المصانع الجديدة تعمل بطاقتها الكاملة، وقد أسهمت في زيادة نسبة تغطية الأدوية المنتجة محليًا." وكشف مستشار رئيس الوزراء عن أن "الأدوية المنتجة محليًا تخضع لأعلى المعايير الدولية، وهي المواصفات عينها المعتمدة عالميًا، كما تخضع لرقابة دوائية صارمة باستخدام أحدث التقنيات، وهنالك تجارب سريرية للأدوية المعقدة، مثل أدوية أمراض الدم والسرطان، التي بدأ إنتاجها محليًا بعد نقل التكنولوجيا من شركات عالمية." وختم حديثه بالقول إن "توجيهات رئيس الوزراء تؤكد أن الفعالية والمأمونية في إنتاج الأدوية خطٌ أحمر." مشيرًا إلى أنه "خلال عمر الحكومة الحالية، تمت إضافة 38 دواءً جديدًا لعلاج أمراض الضغط، و33 دواءً جديدًا لعلاج مرضى السكري، و58 نوعًا من المضادات الحيوية تغطي احتياجات الكبار والصغار، بأشكال مختلفة، كما ابتدأنا بإنتاج 25 دواءً لعلاج السرطان محليًا من خلال نقل التكنولوجيا." إنتاج وطني من جهته، قال الدكتور أحمد الحلي، أحد المستثمرين في القطاع، إن "الدولة بدأت تُدرك أهمية دعم الصناعة الدوائية من خلال الإعفاءات الجمركية وتسهيل استيراد المواد الخام." مشيرًا إلى أن القطاع بحاجة إلى حماية إنتاجه المحلي من المنافسة غير العادلة للأدوية المستوردة. فيما يرى مختصون في الشأن الدوائي أن توطين صناعة الأدوية يحمل بعدًا ستراتيجيًا يتعدى المكاسب المالية، كونه: - يعزز الأمن الصحي ويقلل الاعتماد على الخارج. - يخلق فرص عمل للملاكات الطبية والهندسية والصيدلانية. - يمهد الطريق لتصدير الأدوية مستقبلًا إلى الخارج. وفي وقت لا تزال فيه البلاد تواجه تحديات اقتصادية، يمثل هذا المشروع واحدًا من الحلول المستدامة لتعزيز الإنتاج الوطني وتحقيق التوازن التجاري. وهو ما أكده رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في أكثر من مناسبة، قائلًا إن "الاقتصاد القوي يبدأ من الاعتماد على الذات، والصحة المستقرة تبدأ من التصنيع المحلي."