ياسر متولي /
أثار قرار الرئيس التركي أردوغان بإلغاء اتفاقية عبور (تصدير النفط العراقي عبر ميناء جيهان التركي) جدلًا واسعًا بين الأوساط الاقتصادية من مهتمين وباحثين وخبراء فعليين. وفي ظل الأوضاع الدولية والمتغيرات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة، يتعين على الجميع إدراك حقيقة عدم الاستهانة بهذا القرار، وإنما دراسته جيدًا من جميع الجوانب، في ظل التوتر العصيب الذي يحدث في العالم، وبالأخص في محيطنا الإقليمي. منهم من يقول إن هذا القرار له تداعيات على الاقتصاد العراقي، وقد يكونون على حق برؤيتهم هذه، فيما يرى آخرون أن لا تأثير لهذا القرار على العراق من باب المكابرة والاعتداد بالنفس، وقد يكونون محقين كذلك. لكن في حقيقة الأمر، ما هكذا تكون الأحكام والقرارات، إنما يتعين النظر إليها من زاوية الأحداث المتواترة والسريعة، وقياس حجم الضرر على واقعنا الاقتصادي. إن منافذ تصدير النفط العراقي محدودة، متفقون جميعًا، أليس كذلك؟ والأهم أن العراق لا يزال بلدًا ريعيّ الموارد، وهذه بديهية لا يختلف عليها اثنان. مع أن الأحداث والتهديدات والوقائع تنذر بين الحين والآخر بحدوث صدام – لا سمح الله – بين الدول، والفكرة واضحة لا تحتاج إلى تفسير، فيؤدي هذا الصدام إلى انقطاع الإمدادات النفطية من هذا المنفذ أو ذاك، وهنا مكمن الخطر والتأثير في واقع الاقتصاد العراقي. يجمع خبراء الاقتصاد المخضرمون على ضرورة زيادة وتنويع منافذ التصدير، لأسباب مهمة، منها احترازية من الأحداث المتوقعة، وأخرى فنية تتعلق بعدم قدرة العراق التخزينية لكميات النفوط المستخرجة، التي تتضاعف سنويًا بحسب خطط الإنتاج المقررة، وهنا بيت القصيد في تحمّل تكاليف مضاعفة تُعد ضمن الخسائر المتوقعة جراء الأحداث أيضًا. وفق هذا المنظور يمكن تقييم جدوى وأهمية منفذ جيهان التصديري وغيره من المنافذ من عدمها. لذلك، وبتواضع، اسمحوا لي أن أدعوكم إلى التروي في تقييم الحدث، لكيلا نقع في فخ نتائج الأحداث المتوقعة أولًا، وعلى ما يبدو أن قرار أردوغان هو قرار بروتوكولي، بحسب آخر توضيح من وزارة النفط، وأنه بالإمكان عودة التفاوض لتجديد الاتفاقيات، ولكن بشروط جديدة تمليها ظروف المرحلة. تصدر من هنا وهناك بعض التصريحات التي تهوّل القضية وتربك الشارع وتثير مخاوف لا أساس لها، ذلك لأن أي بلد في العالم ينظر إلى مصلحته في التفاوض مع بلدان الدول الأخرى، وهذا أمر طبيعي على الجميع تقبله. فرفقًا بالشارع أولًا، ورفقًا بالدولة أن تُثقلوا عليها بتصريحات نارية قد تؤثر في الطرف الآخر وتخلق لنا أعداء لسنا بحاجة لهم. ودعوا التصريحات لأصحاب الاختصاص والشأن. الأمر ببساطة: أن زوبعة القرار التركي فقاعة تنفجر سريعًا ما إن تتحقق المصالح وتتم الاتفاقيات بين الدولتين، الممتدة لعقود، وتذهب تصريحاتنا المتشددة في مهب الريح.. العراق أولًا، ونجاحه يتوقف بالحفاظ على مصالحه وتقوية علاقاته بمحيطه الإقليمي دون استثناء.