100%
أحمد شرجي
تُعد واقعة الطف تراجيديا إغريقية بامتياز، وفقًا لقياسات أرسطو والشروط التي يجب توفرها في المأساة من أجل تكامل أركانها، وذكر منها ثلاث وحدات (وحد ة الموضوع، وحدة الزمان، وحدة المكان). ظلت هذا الشروط الأرسطية قائمة حتى عصر شكسبير وكورنيه وراسين، الذين خرجوا من عباءة أرسطو وهشموا وحداته الثلاث.
نجد في تعريف أرسطو للمأساة أنها "محاكاة لفعل نبيل تام، لها طول معلوم، بلغة مزينة بألوان من التزيين، تختلف وفقًا لاختلاف الأجزاء، وهذه المحاكاة تتم بواسطة أشخاص يفعلون، لا بواسطة الحكاية، وتثير الرحمة والخوف فتؤدي إلى التطهير من هذه الانفعالات." بمعنى؛ يجب أن يدور الموضوع حول شخصية / بطل واحد يكون محور الحدث برمته.
عناصر درامية
الإمام الحسين (ع) بطل واقعة الطف بكل الحمولات الأرسطية، كعقدة رئيسة، ولابد من أن يكون زمن الحدث / المأساة (لها طول معلوم) خلال دورة شمسية واحدة، أي منذ شروق الشمس وحتى غروبها. ومعركة / حدث الطف زمنها يبدأ من شروق الشمس وينتهي ظهرًا. أما فيما يتعلق بوحدة المكان التي أراد أرسطو أن يكون الحدث فيها داخل مكان واحد، وألا تتعدد الأماكن كما هو الزمن، كان مكان حدوث التراجيديا الحسينية واحد، الطف / كربلاء.
يتوفر في واقعة الطف ومأساة الإمام الحسين (ع) الكثير من العناصر الدرامية، والمسرحية، ما يضاهي التراجيديات اليونانية الخالدة، بوصف الأخيرة انطلقت من الطقوس الدينية في تشكيل هويتها التراجيدية، متخذة من الملاحم مادتها الرئيسة في تشكيل عرضها التراجيدي، وإن كانت التراجيديا اليونانية قد بدأت كعرض بممثل واحد، ومن ثم تطور العدد على يد أسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس إلى اثنين وثلاثة، ومع الأخير تعددت الشخوص والمنحى، بينما نجد في واقعة الطف الكثير من الأبطال، وبقصدية واضحة فرضتها الواقعة، بتعدد شخوصها، من أجل تجسيد الحدث المأساوي للحسين وأولاده (ع).
فعل نبيل
تعتمد التراجيديا الإغريقية على الأحداث الماضية التي تتعلق بالبطل / وحدة الموضوع (الإرسالية الإخبارية ما قبل الحدث الرئيس)، لأن الزمن يمتد حتى نصل إلى زمن الحدث، وهذا ماحدث في التراجيديا الحسينية، كل الأحداث ما قبل زمن حدوث المعركة إخباري، على لسان الشخصيات، والتجسيد هنا من خلال (محاكاة فعل نبيل تام). وواقعة الطف فعل نبيل متكامل له بداية ووسط ونهاية، أنبل فعل على وجه الأرض، رجل يعرف أنه ذاهب إلى الموت، مع ذلك يصر على موقفه ومبدئه، فيقطع كل هذه المسافات لنصرة المظلومين والمعدمين من أنصار أبيه الإمام علي (ع) "إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني."
شجاعة الموقف
هل هناك موقف يشابه موقف الإمام الحسين (ع)؟ الإمام االذي رسم قدره بيده، وواجه الموت بشجاعة بـ (70) رجلًا أمام جيش جرار من المكرهين والمغرضين والأفاقين، لم يرضخ أو يلين، لتقودنا الأحداث إلى المشهد الذي يثير فينا الشفقة والرحمة، ويؤدي بنا إلى التطهير، من خلال قطع رأسه الشريف ورفعه على الرمح، ومن ثم يتبعه مشهد السبايا.
تذكر الناقدة الروسية (تمارا ألكسندروفنا)، صاحبة كتاب (ألف عام وعام من المسرح العربي) أن المد الأصولي والطائفي هو الذي حال دون ترسيخ التعازي الحسينية بوصفها تراجيديا عربية خالصة تضاهي التراجيديات الإغريقية، لأنها واقعة حقيقية وصادقة. وما بعد المأساة، ورغم الفترة الزمنية الطويلة، يستذكر العالم الإسلامي الشيعي موقف استشهاد الإمام الحسين وتضحيته، ويتوقف الزمن والحياة المادية من كل عام، وما مشاهد (التطبير) والبكاء ومواكب العزاء وركضة (طويريج)، التي تشير إلى فعل مادي، ما هي إلا تطهير النفس من أمراضها ودنسها، التي قاتل من أجلها الإمام الحسين (ع)، لعلنا نتعلم ونطهر أنفسنا من الخوف وعدم قول كلمة الحق، وشجاعة الموقف، نتطهر من خذلاننا الآخر، الذي ينتظر منا موقفًا، كما هو موقف الحسين (ع) بقول أكبر كلمة (لا) في زمن طغت عليه كلمة (نعم).