بساتين ومزارع تنتج أنواعًا جديدة من الحمام (المطيرجية).. مجتمع خاص وأنظمة صارمة

تحقيقات

بساتين ومزارع تنتج أنواعًا جديدة من الحمام (المطيرجية).. مجتمع خاص وأنظمة صارمة
100%
صفاء ذياب بقيت حياة (المطيّرجي)، وهو مصطلح شعبي يُطلق على هواة تربية الطيور في العراق، يشوبها القلق اجتماعيًا منذ بداية تأسيس الدولة العراقية وحتى وقت متأخر. فمن المعروف أن المطيّرجي لا يستطيع أن يتقدّم لخطبة أيّة بنت من العائلات المعروفة، واقتصرت زيجاتهم -منذ قرون- بين عائلاتهم تحديدًا.. غير أن المؤلم، حسب كلام أحدهم، أن شهادتهم لم تكن مقبولة أمام القاضي، وكأنهم ليسوا من هذا المجتمع، أو ممن لا يثق المجتمع بهم، إذ يقول أبو محمد (84 عامًا)، إن شهادتهم لم يكن معترفًا بها أمام المحاكم، على الرغم من عدم وجود هذه الفقرة في قانون المحاكم العراقية في الفترة الملكية وما بعدها، إلا أن القاضي بمجرد أن يعرف أن هذا الشخص (مطيرجي) يستبعده مباشرة. أسماء الحمام على الرغم من شهرة سوق الغزل في بغداد، وكونه منجمًا للطيور والحيوانات عمومًا، غير أنك بمجرد أن تتجه إلى الجنوب، سترى عوالم مغايرة في تربية الطيور، ومجتمعات كاملة مغلقة على نفسها، لا يمكنهم أن يعيشوا من غير هذه المهنة التي ورثوها أبًا عن جد، فلا تجد في بغداد بساتين كاملة للطيور، ولا مزارع مخصّصة لها، مثلما تجدها في مدينة البصرة، على سبيل المثال، يملكها من يعمل في هذه المهنة، أو من الهواة أيضًا. يتحدث عن ذلك الحاج أبو هاشم، وهو من أقدم مطيرجية البصرة، عن هذه الهواية التي بدأت معهم منذ أن كانت بيوتهم من القصب، قبل أن تصلهم الطرق ويعبّدوها، وكان بالقرب من بيوتهم القصب هذه، بيوت الحمام التي كانت تبنى من الصفائح، كان ذلك في العام 1935. وقد عدَّ الحاج أبو هاشم بعض أشهر مطيرجية البصرة خلال القرن الماضي، وأنواع الحمام وأسمائها التي اشتهرت بها، مبتدئًا بـ(حسين سكينة)، الذي اشتهر بـ (رس العقارب) في الستينيات، و(ياسين مذكور) من منطقة الجبيلة، واشتهر بـ (الأربش) من (رس المقنزع) سنة 1970، وهاشم جلوب (هاشم كزيزة) الذي اشتهر بالدخانيات سنة 1960، و(حسين بناي) من منطقة الجبيلة، واشتهر بـ(رس القنادي) سنة 1960، و(عباس العاقول) من منطقة بدران، وقد اشتهر بأن عنده (حمر الزوار) في الستينيات، وغيرهم الكثير. بيئة خاصة للمطيرجية مجتمع خاص من الصعب الدخول إليه ممن هم خارج هذا الاهتمام، ربما تراهم في سوق البصرة القديمة ليلة الجمعة، حين يتبارز أصحاب الديوك في ملحمة كبيرة يكون الخاسر منها منتوف الريش. هذه المبارزة هي ما تراه ظاهرًا، لكن خلفها مزارع وحقولًا وبساتين كبيرة لا يراها أحد، وأنواع طيور من الصعب إحصاؤها، على الرغم من أن بعضهم يرى أن مربي الديوك ليسوا من المطيرجية، بل مجتمع موازٍ له، وهذا يؤكّده المطيرجي والمحكّم (حسن عنيد)، الملقّب بـ (المكش الذهبي)، وهو المحترف في تطيير الحمام، أن مجتمع المطيرجية لم يعد مثل السابق، فقد كان أغلبهم من الأميين والفاشلين في المدارس، إلا أن هذا المجتمع في الوقت الحالي دخل إليه أناس لهم قيمتهم ووظائفهم المهمة، بسبب عشقهم لعالم الحيوان عمومًا، والطيور على وجه الخصوص، فتجد بينهم قاضيًا ومحاميًا وضابطًا في الجيش ودكتورًا، الحياة مفتوحة الآن للجميع، وفي الوقت نفسه فإن هذا المجتمع مختلف، لأنه "معتكف عن الناس، ومنعزل، لديه مزارع خاصة وجمهور من طبقات مختلفة." في حين يخبرنا عنيد عن إحصائيات المطيرجية في مدينة البصرة فقط، فقد يتجاوز عدد المحترفين فيها 750 شخصًا، أما الهواة، الذين لديهم أعشاش ليست كبيرة مثل المحترفين، فيتجاوزون الـ2000 شخص في هذه المدينة فقط، وهي النسبة الأعلى عراقيًا. تحولات المطيرجية لم يعد مطيرجية العراق عمومًا، والبصرة تحديدًا، مجرد عاشقين للحمام، يبنون برجًا فوق سطح دارهم، ويخرجون ويصعدون عند الفجر إلى سطح الدار لكي يمارسوا هوايتهم، بل تطوّر الأمر لدخول رؤوس أموال وتجّار عشقوا الحمام، فاشتروا المزارع وبنوا بيوتًا من أجل أن يمارسوا هذه الهواية على مدى أوسع، ولكيلا يزعجوا سكّان المدينة، هربوا بهوايتهم إلى الصحراء، لتكثر مزارع الحمام على طريق سفوان (100 كم جنوب البصرة)، هذه المزارع التي تجاوزت؛ حتى الآن 600 مزرعة، وهي في تزايد مستمر. حسن عنيد وأخوه علي عنيد يملكان إحدى هذه المزارع، وقد أنشآها "لكي نبتعد عن المناطق السكنية أولًا، والسبب الأهم لكي تعيش الطيور فضاءً تأخذ فيه حرّيتها في التحليق." أما أشكال هذه المزارع فتختلف من واحدة إلى أخرى، بحسب ذوق المطيرجي أو إمكانياته المادية، لكن الأهم من هذا هو بيوت الحمام، إذ "نقوم بصبغ كل برج بلون معيّن لكي تتعلم الحمامة عليه، فعندما تطير تعود إلى برجها الأخضر أو الأزرق، على سبيل المثال، وكلّ برج يحتوي أكثر من مائتين إلى ثلاثمائة حمامة. لكن المسألة لا تعتمد على العدد، بل على أنواع الطيور وسلالتها. مثلاً إذا جاءنا طير من الكويت اسمه (عين السيح) أو (أوبك)، فنقوم بتركيب الحمام بعضه مع بعض من خلال التزاوج، لننتج أنواعًا جديدة. لكن الأجيال الجديدة تبقى مرتبطة باسم (عين السيح) الأم، المشكلة أن الزمن سرقنا، والكويتيون قاموا بما لم نقم به سابقًا من تطوير وتزويج الحمام والمغايرة في جيناتها، أمّا إذا أردنا أن نواكب ما فعلوه فنحتاج عقودًا لكي نتمكن من إنتاج أنواع جديدة من الحمام."

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج