100%
إكرام زين العابدين
في مواجهة مباشرة مع واحد من أخطر الأوبئة الاجتماعية في العراق، برزت تجربة مركز القناة للتأهيل الاجتماعي كنموذج عملي لمعالجة مدمني المخدرات، وفق نهج صحي وإنساني متكامل، بعيدًا عن الإجراءات العقابية التقليدية. المركز الذي افتتح عام 2023 جاء كثمرة جهود متضافرة قادتها حكومة المهندس محمد شياع السوداني، برعاية مباشرة من وزير الصحة الدكتور صالح الحسناوي، استنادًا إلى قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم (50) لسنة 2017.
بغية معالجة ظاهرة تعاطي المخدرات المتفاقمة، جرى إنشاء الهيئة الوطنية العليا لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية برئاسة وزير الصحة، وهي الجهة التي أشرفت على تأسيس مركز القناة بوصفه أول مؤسسة علاجية متخصصة في معالجة حالات الإدمان في العراق، تعمل وفق خطط علمية تراعي الجوانب الطبية والنفسية والاجتماعية للمدمنين.
زيارة ميدانية
خلال زيارة ميدانية للمركز، استقبلنا الدكتور عبد الرحيم طه حمودي، مدير المركز، الذي تحدث بالتفصيل عن الجهود المبذولة والخطوات التي جرى اتخاذها لمعالجة الظاهرة، فقال: "بلدنا عانى لسنوات طوال من غياب المراكز التخصصية لعلاج المدمنين، وكانت المستشفيات العامة غير قادرة على تلبية احتياجات هذه الشريحة. لكن منذ افتتاح مركز القناة عام 2023 ضمن البرنامج الحكومي، أصبحت لدينا مؤسسة متكاملة تقدم العلاج النفسي والطبي والاجتماعي للمرضى المدمنين، وتوفر لهم بيئة آمنة لاستعادة حياتهم الطبيعية."
أضاف حمودي أن المركز شهد إقبالًا واسعًا من المرضى بعد تغيير النظرة الاجتماعية للمركز، مشيرًا إلى أنه "في البداية، كان الناس يظنون أن المركز تابع لوزارة الداخلية ويعمل كسجن، فتجنب الكثير من المرضى المجيء إليه. لكن هذه الصورة تغيّرت بعد جهود توعوية من وزارات الدولة والإعلام ومنظمات المجتمع المدني، إذ أصبح واضحًا أن المركز جهة علاجية تحت إشراف وزارة الصحة، وتقدم خدمات إنسانية وليست عقابية."
تحدث حمودي أيضًا عن تسهيلات مراجعة المركز قائلًا: "سابقًا كان المريض المدمن يُحوّل إلى أقسام الأمراض النفسية، لكنها غير معدّة لهذا النوع من الحالات، لا من حيث المكان ولا من حيث البرامج العلاجية. اليوم بات المريض يأتي إلى مركز القناة بإحالة من طبيب مختص، أو من القضاء، أو الشرطة المجتمعية، أو منظمات المجتمع المدني. والقانون العراقي يضمن له عدم المساءلة القانونية إن حضر طوعًا لتلقي العلاج." وأشار إلى أن المركز يتيح للمريض الإقامة لمدة شهر كامل مع تقديم رعاية طبية وفندقية، ثم تجري متابعته لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر، حسب توصيات الطبيب.
تحديات عديدة
بالرغم من النجاحات، يوضح حمودي أن المركز يواجه تحديات عديدة: "نحن نستقبل حالات من جميع المحافظات العراقية، لأننا المركز الوحيد في البلاد، ما يسبب ضغطًا هائلًا على الكادر والخدمات. كما نعاني من قلة الدعم المالي، ونحتاج إلى مساحات خضر لتكون متنفسًا نفسيًا للمرضى، فضلًا عن ضرورة توسيع نطاق المراكز إلى بقية المحافظات." وتطرق إلى مشكلة تفاعل الأسر قائلًا: "في كثير من الأحيان تكون الأسرة غير متعاونة، بل تحاول التخلص من المريض، ما يعقّد العلاج. لكن فريقنا من الأطباء والباحثين النفسيين يتدخل للوصول إلى أفضل الطرق في احتواء المريض وتأهيله."
حمودي ذكر أن العلاج لا يقتصر على الطب، بل يشمل الأنشطة الرياضية والمهنية: "وفرنا في المركز ساحة ألعاب، وقاعة لتمارين رياضة الحديد، وكرة الطاولة. كما يوجد تعاون مع وزارة العمل لتوفير دورات مهنية وقروض للمتعافين بعد شفائهم، بالإضافة إلى تعاون مع وزارة الشباب لتنظيم فعاليات رياضية، ووزارة الداخلية لتأمين المركز."
التعافي الكامل
خلال الجولة، التقينا الدكتورة تمارا ضرغام، الاختصاصية النفسية، التي شدّدت على أهمية الحفاظ على خصوصية المريض: "من يراجع المركز يجري التعامل مع حالته بسرية تامة، إذ لا نكشف عن بياناته لأي طرف خارجي مهما كانت الأسباب. هدفنا هو بناء ثقة بين المريض والطبيب حتى نساعده على التعافي الكامل." أضافت: "الكثير من المرضى يعانون من الشعور بالعار، لذلك نحاول كسر هذه الحواجز النفسية من خلال التعامل الإنساني والمهني."
كما تحدث الممرض الجامعي ضياء كامل ناصر، قائلًا: "نستقبل عشرات الحالات يوميًا. العيادة الاستشارية هي الخطوة الأولى في مسار العلاج، حيث يجري تقييم الحالة بدقة من قبل الأطباء، ومن ثم تقديم خطط علاجية متكاملة تشمل الطب النفسي، والأسنان، والمختبر، والصيدلة."
أما سيف كاطع، مسؤول فريق الباحثين النفسيين، فقد تحدث عن دور الجلسات النفسية في العلاج: "لدينا فريق مكوّن من ست باحثات نفسيات، نقيم جلسات فردية وجمعية للمدمنين وأسرهم، ونعمل على شرح مراحل العلاج، وتقديم الدعم النفسي للمريض، بالإضافة إلى توعية العائلة بكيفية التعامل معه بعد خروجه."
وذكر كاطع: "نعمل بنظام العقود، رغم أهمية الدور الذي نؤديه في مسيرة الشفاء. نأمل من وزارة الصحة تثبيتنا على الملاك الدائم خدمة للصالح العام."