100%
آلاء فائق
تصوير/ خضير العتابي
شارع الرشيد ليس مجرد طريق يمتد في قلب بغداد؛ إنه شريان حضاري نابض يعبر الذاكرة العراقية من جيل إلى آخر. منذ مطلع القرن الماضي، ظل شاهدًا على تحولات المدينة وتقلبات التاريخ، بين مجد معماري أصيل واندثار تدريجي أطفئ وهجه. اليوم تعود الحياة إليه مجددًا عبر مبادرة (نبض بغداد) لإحياء روح المدينة من خلال إعادة ترميم أهم معالمها.
خطى المبادرة
في درجات حرارة لاهبة، تكاد تتخطى الـ50 درجة مئوية في صيف 2025، تتضافر جهود كوادر مبادرة (نبض بغداد) ليلًا ونهارًا، بمشاركة جهات حكومية وغير حكومية، وتحت إشراف ودعم رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني لإحياء المناطق القديمة والحفاظ على عمرانها التراثي ورونقها الحضاري.
تجلّت المرحلة الأولى من المبادرة في تأهيل شارع المتنبي، ثم محور السراي كمرحلة ثانية، إذ أعادت تلك الحملات الحياة إلى مدينة بغداد القديمة، وتزاحمت المنطقة بالزوار، وحظيت بزخم سياحي غير مسبوق، فانجلى الظلام بأمسيات رواد المدينة التاريخية.
وتهدف حملات (نبض بغداد) إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من السياح، وتوفير البيئة الملائمة للمستثمرين العراقيين والعرب والأجانب. ومن الخطوات المهمة للمبادرة إطلاق المرحلة الثالثة لإعادة تأهيل وإحياء شارع الرشيد من جديد. وتتجلّى أهمية هذه الخطوة في عكس الهوية الثقافية والتاريخية للعاصمة العريقة.
الجهات المشرفة
تُشرف على شارع الرشيد أربع جهات: أمانة بغداد، ورئاسة الوزراء، ووزارة الثقافة والسياحة والآثار، ورابطة المصارف العراقية – وهي الجهة الممولة. وقد تحدث المهندس د. محسن جبار عودة، من دائرة تصاميم أمانة بغداد، لـ "الشبكة العراقية" عن هذه الحملة قائلًا: إن "حملة إعمار الشارع تشمل إعادة تأهيل عدد من المباني المعمارية المتفردة، كالقشلة، وقصر السراي، ومتصرفية لواء بغداد." لافتًا إلى أن العمل يجري وفق المعايير والمواصفات الفنية المعتمدة والمواثيق الدولية للحفاظ على خصوصية الشارع التراثية، ويعمل على ذلك عدد كبير من المختصين لإعادة تأهيل البنايات المعمارية والإنشائية. كما شملت أعمال الصيانة تأهيل واجهات المباني وجليها وترميم الأجزاء المتهالكة منها.
المرحلة الثالثة
فيما أوضح المعماري محمد الصوفي تفاصيل المرحلة الثالثة من المبادرة قائلًا: "جرى -بأمر ديواني- تشكيل لجنة برئاسة أمين العاصمة عمار موسى الكاظم، وينوب عنه مستشار الشؤون الثقافية د. عارف الساعدي، وتضم اللجنة أعضاء من هيئة الآثار والتراث، ووزارة الثقافة، وأمانة بغداد (دائرة المشاريع، دائرة التراث)، والبلديات، والجهات الخدمية كدائرة الكهرباء. أما تمويل الحملة فجاء من رابطة المصارف الخاصة العراقية عبر (صندوق تمكين) بدعم من البنك المركزي العراقي."
وبحسب الصوفي، فإن اعمال الصيانة شملت ترميم واجهات المباني على امتداد المحور، من ساحة الميدان إلى ساحة الرصافي. وقد شملت الحملة ترميم 72 بناية، تم إنجاز 55 منها حتى الآن، بينما تخضع البنايات الأخرى لإجراءات إزالة أو إزالة المشوهات التي تؤثر على جمالية المشهد المعماري. وأشار إلى أن الحملة تضمنت تجديد البنية التحتية للشارع، بما يشمل تأهيل شبكة الصرف الصحي، ومد شبكات مياه، وخطوط كهرباء تحت الأرض، بالتعاون مع الجهات البلدية والشركات المتعاقدة، بالرغم من التكاليف الباهظة. وسيجري رصف الشارع بحجر البازلت الأسود والرمادي الداكن المعروف بصلابته العالية.
فرص عمل
وبحسب دراسة أُجريت بالتعاون مع هيئة الإحصاء، تبيّن أن أعمال تطوير شارع المتنبي والسراي قد وفرت نحو 7300 فرصة عمل للأيدي العاملة العراقية، ما شكّل مكسبًا مهمًا لأصحاب الأعمال، وفتح أبوابًا للشباب من مختلف مناطق العراق. أما بشأن تسيير خط ترام، فأشار الصوفي إلى أنه سيكون في المرحلة التالية لافتتاح الشارع، والمقدّر أن يكون مع نهاية شهر آب الحالي. وتحدث الصوفي عن تحديات المشروع قائلًا: "التعامل مع مبانٍ تراثية يتطلب حساسية عالية، ولاسيما في ظل غياب أرشيف معماري موثّق لها، على عكس ما هو موجود في دول العالم الأخرى."