الحسين يوحّد القلوب.. طقوس تتجاوز حدود الأديان

تحقيقات

الحسين يوحّد القلوب..  طقوس تتجاوز حدود الأديان
100%
رجاء حسين - تصوير / خضير العتابي في كل سنة، تبدأ المراسم والاستعدادات في شهر محرّم الحرام، ابتداءً من أول يوم فيه إلى يوم الأربعين، حين تُرفع الرايات وتُلبس الملابس السود، وتُقام مجالس العزاء الحسينية في البيوت والجوامع، إذ تُذكر قصة الطف وفاجعة ما حلّ بالإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام. على الطرقات تُنصب الخيام، وتُطبخ وتُقدّم مختلف أصناف الطعام للزائرين خلال مشيهم إلى أرض كربلاء. ويكون الطبخ الأشهر في عاشوراء هو (الهريسة) و(القيمة) والرز، وتُذبح الذبائح لتُقدّم للناس. أما موائد الطعام في الخيام على الشوارع، ففيها مختلف الأصناف من الفواكه والمشاوي والعصائر والحلويات وكل أصناف الطعام تقريبًا. واللافت في نسيج المجتمع العراقي، بمختلف مذاهبه ودياناته وانتماءاته، أنهم يشتركون في هذا الشهر وما بعده بمحبتهم للحسين عليه السلام، ومشاركة المسلمين الشيعة في مجالس العزاء والمواكب الحسينية، وكذلك في الطبخ لأبي عبد الله عليه السلام. وهذا ما نشأنا عليه مع جيراننا من المسيحيين والإيزيديين ومختلف الطوائف، فهم معنا في جميع شعائرنا بكل محبة وإنسانية. نهج وعقيدة الحاجة تاضي (أم عباس)، تذكر ما تعلمته من أهلها في حبها لإحياء عاشوراء والأربعينية والمجالس والطبخ للناس والزائرين، مؤكدة أنها تقوم بذلك الآن مع عائلتها وأولادها وأحفادها، وهم مستمرون على ذات النهج والعقيدة. تضيف الحاجة أم عباس أنها كانت شديدة التأثر بكل ما يتعلق بالحسين عليه السلام، لذلك أرادت أن تطبخ من مالها الخاص منذ أن كانت بعمر الخامسة عشرة، فآثرت أن تجمع من مصروفها الشخصي وتطبخ كمية قليلة من الهريسة. بدأت بكيلوين كل عام تطبخهما وتوزعهما، ثم بدأت تزيد الكمية شيئًا فشيئًا، ومن ثم صارت تشارك أهلها بمبلغ خاص بها حين يطبخون كمياتهم الكبيرة من الهريسة والتمن والقيمة. وبعد زواجها، علّمت أولادها وأحفادها، وهم الآن يطبخون للناس في ثواب أبي عبد الله. رواية الفاجعة أما سيد رسول عبد راضي، وهو أب لسبعة أولاد، فيتحدث عن أهمية إقامة المجالس الحسينية، لما فيها من عبر وسرد لواقعة هي رسالة للبشرية جمعاء. وقد واظب على ما كان جده ووالده يحييانه من مجالس عامرة بالناس، وتوزيع الطعام والثواب، وتوفير استراحات للزائرين على الطريق وهم يمشون إلى كربلاء. فيما تسرد تركية خلف، بشجن وحنين، ذكريات الطفولة المملوءة بالمحبة والتآخي بين الناس، وكيف كانت في عمر صغير تحيي مع أهلها المراسم من منطقة إلى أخرى، وهم يرون الطبخ والقدور الكبيرة، وهناك عزاء للنساء، حيث يتجمعن مع أطفالهن ، واللطم وما تقرأه (الملاية). وهي مشاهد تستمر إلى الفجر، وحينها يكون طبخ القدور قد تم ووزّع للناس مع بدء سماع (المقتل) بصوت القارئ عبد الزهرة الكعبي، الذي كان يذيب القلوب حينما يروي الفاجعة والمأساة بحق الحسين وأهل بيته عليهم السلام. تعايش ومحبة ريتا رامز، مسيحية تسكن منطقة الدورة - حي الآثوريين، تحدثت عن تعايشها مع الجيران والأصدقاء المسلمين، بل ومشاركتهم في كل عام بطقوس ومراسم عاشوراء والأربعينية. فهي تؤكد حبها للحسين عليه السلام وشدة تأثرها بمظلوميته. تقول: "منذ سنين ونحن نطبخ الهريسة ونذبح الذبائح في محرّم، تضامنًا مع إخوتنا وأصدقائنا المسلمين، وهو ما يفعله الكثير من المسيحيين في كل عاشوراء. بل لدي إخوة وأبناء عم يشاركون في مواكب مسيحية تنطلق في الأربعينية من بغداد الجديدة باتجاه كربلاء. فتضامننا الإنساني ممتد ومتجدد لأن الحسين للجميع، وهو منارة تضحية، ورسالته عالمية ضد الباطل." ذكريات ونذور أمين حمزة تحدث عن ذكريات جدته (حِسِن) بكسر الحاء والسين، التي لم تكن تتقبل أن يشاركها أحد في طبخ الهريسة بالذات، بل تدعوهم للتجمع في الليلة التي تسبق العاشر من محرّم، وهم يساعدونها فقط في التناوب على الطبخ وتحريك الهريسة إلى الصباح، ثم تُوزعها صباحًا. يستطرد أيضًا عن تجمع النساء في بيت جدته، وكيف كن يجمعن المواد فيما بينهن ليطبخن أيضًا، ولكن بالتأكيد دون الاقتراب من هريسة جدته (حِسِن). ويضيف: "كان هناك من النساء من تنذر أيضًا في هذا اليوم، وكن يشتركن بمواد مختلفة للطبخ." وتذكر عذراء عبد الزهرة ما فعله والدها بعد وفاة جدهم، فتقول: "كان يطبخ لأبي عبد الله الحسين عليه السلام من بداية الأول من محرّم حتى الأربعين، وخصوصًا القيمة النجفية، كونه نجفي الأصل. وبعد وفاته أكملنا، أنا وأخي جاسم، هذه المسيرة، فكنا نضع (قاصة) نشترك فيها طوال السنة، نضع فيها ما تيسر من الرزق، حتى نفتحها في يوم محرّم ونزيد عليها للطبخ." وتستذكر عذراء: "كان هناك من جيراننا (بيت أبو داني) من المسيحيين، وبيت (أبو مازن وأبو خالد) من السنّة، يأتون ويشاركوننا الأجواء، وكنا في منطقة شارع فلسطين، وهم يغسلون أواني الطبخ بعد انتهاء توزيع الطعام، ثم يطلبون ما يريدون من مراد ونذور. وعندما يتحقق مرادهم، فإنهم في السنة التالية يبدأون في الطبخ، أو المشاركة معنا."

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج