ميساء فاضل /
ليست كل القطع الفاخرة في عالم الموضة تُولد من تصميمٍ مدروس؛ أحيانًا تصنع الجرأة والصدفة معًا أسطورة لا تُنسى. هكذا وُلد حذاء (كريستيان لوبوتان) الأسود ذو النعل الأحمر، الذي تجاوز كونه مجرد إكسسوار نسائي، ليُصبح رمزًا للأنوثة القوية والتمرد الراقي والجاذبية الآسرة. شغف الطفولة كريستيان لوبوتان، المصمم الفرنسي الشهير، وُلد في باريس عام 1963. منذ صغره، أبدى ولعًا لافتًا بعالم الأحذية، إذ اعتاد رسم الكعب العالي في دفاتره المدرسية. لم يكن طالبًا نموذجيًا؛ إذ كان كثير التهرب من المدرسة، وانجذب مبكرًا إلى المسارح والمجلات الفنية، التي وجد فيها ضالته في الأزياء المسرحية وتفاصيل الكعب العالي التي تخطف الأنظار. في سن السادسة عشرة، بدأ مشواره المهني بتدريب غير رسمي في مسرح (فولي بيرجير) الشهير، حيث عمل على تصميم أحذية الراقصات. موهبته الاستثنائية لفتت أنظار دور الأزياء الكبرى، مثل شانيل وإيف سان لوران، فعمل كمساعد، وتعلم خفايا الصنعة وخبراتها التقنية. انطلاق العلامة في عام 1991، افتتح لوبوتان أول متجر له في حي غاليري فيرو الباريسي. وبالرغم من صغر مساحة البوتيك، إلا أن تصاميمه الجريئة والفريدة جذبت أنظار النخبة. كانت أول عميلة مشهورة تدخل متجره هي الأميرة كارولين من موناكو، التي اقتنت تصاميم عدة. هذه الخطوة منحت المصمم دفعة إعلامية كبيرة ومهدت لانطلاقته العالمية. النعل الأحمر في عام 1993، كان لوبوتان يعمل على تصميم حذاء أنثوي بكعب عالٍ، لكنه شعر أن الحذاء يفتقر للحياة. وفي لحظة عابرة، وقعت عيناه على مساعدته وهي تطلي أظافرها بالأحمر. التقط زجاجة الطلاء وبدأ بتلوين النعل السفلي للحذاء. كانت النتيجة مدهشة: قطعة أكثر إثارة وأناقة. منذ ذلك الحين، تحول النعل الأحمر إلى توقيع أيقوني يميز جميع أحذية لوبوتان النسائية، وأصبح رمزًا بصريًا للقوة الأنثوية والجرأة الفنية. تصميم منحوت تتميّز تصاميم لوبوتان بكعب متوسط إلى عالٍ، يمنح المرأة شعورًا بالثقة والطول والقوة، دون التفريط بالراحة. يستخدم المصمم خامات فاخرة، ويولي اهتمامًا بالغًا بالتفاصيل الدقيقة. خلفيته المسرحية تظهر بوضوح في تصميم الحذاء، الذي يبدو وكأنه عرض مسرحي على قدمي من ترتديه. وبات الحذاء ذو النعل الأحمر خيارًا مثاليًا للسهرات والمناسبات الفاخرة، إذ يضيف لمسة من الفخامة والأنوثة في كل خطوة. نجمات العالم منذ منتصف التسعينيات، أصبحت أحذية لوبوتان خيار النجمات الأول على السجادة الحمراء. رافقت تصاميمه أبرز الأسماء مثل: ريهانا، بيونسيه، أنجلينا جولي، جينيفر لوبيز، وسارة جيسيكا باركر، وظهرت في أهم الفعاليات العالمية، من الأوسكار إلى Met Gala. ولم تقتصر شهرتها على هوليوود، بل امتدت إلى أكثر من 100 دولة حول العالم، حيث يُباع الحذاء الواحد بأسعار قد تصل إلى آلاف الدولارات، بفضل تفاصيله الدقيقة والتصنيع اليدوي باستخدام أجود أنواع الجلود. أيقونة ثقافية بالنسبة للوبوتان، الأحمر ليس مجرد لون، بل موقف. إنه تعبير عن العاطفة، والجرأة، واللامبالاة الأنيقة على الطريقة الفرنسية. أصبح اللون الأحمر علامة تجارية مرادفة للفخامة العالمية، وتحول إلى رمز معترف به دوليًا. يقول المصمم إن كل خطوة في زوج من أحذيته هي إعلان عن الحسية، والحيوية، والحب، والكاريزما. ولعل هذا ما جعل أحذيته تتجاوز كونها سلعة لتصبح (أيقونة ثقافية)، تمجد الفن والمهارة والحرفية. انتصار قضائي مع اتساع شهرة النعل الأحمر، بدأ العديد من العلامات التجارية الأخرى في تقليده. وفي عام 2011، دخل لوبوتان في معركة قانونية ضد دار إيف سان لوران بعد استخدامها نعلًا أحمر في بعض تصاميمها. وبعد سنوات من التقاضي، صدر حكم لصالح لوبوتان يمنحه الحق في حماية النعل الأحمر كعلامة تجارية، بشرط أن تكون بقية الحذاء بلون مختلف. كان هذا الحكم انتصارًا قانونيًا لصالح المصمم وحمايةً لفكرته، التي بدأت بطلاء أظافر وانتهت بإعادة تعريف مفهوم الأناقة الأنثوية.
