100%
صفاء ذياب
تنقّلت الفنَّانة خلود هوّاش بين تجارب عدّة على مدى سنوات، بين الرسم بالألوان المائية والأكريليك واستخدام مواد مختلفة، حتَّى وصلت إلى مرحلة جديدة في عمل لوحات فنّية من المهمل والفائض عن حاجة البيت من الأقمشة. وبهذا ذهبت إلى أبعد ما يمكن في أن تستغل هذا الفائض الذي كانت تصنع منه أفرشة و(جودليات) في بيوتنا العراقية، لكنّها بدأت بعمل لوحات فنّية، مستلهمة التراث العراقي بتنوّعاته وثيماته العديدة.
هوّاش، التي ولدت في مدينة البصرة، وتعيش منذ سنوات في فنلندا، تسعى لنقل الثقافة الشعبية العراقية إلى العالم بأنامل مغايرة، فالمرأة من وجهة نظرها مركز الكون، والنقطة التي تدور حولها الحياة، وكان هذا في معارض عدّة، ابتداءً من عمّان بمعرض (جودلية) في العام 2018، لتنتقل بعد ذلك إلى باريس، حيث شاركت ضمن معرض (تفكيك) في العام 2021، ومعرض (آرس) في العام 2022، ومشاركتها في بينالي البندقية في العام 2024، وغيرها من المعارض، وصولًا إلى معرضها الجديد في العاصمة الفنلندية هيلسنكي الذي اختتمت أعماله مؤخرًا.
تستخدم هواش مواد مُعاد تدويرها في الغالب، أو من الثياب القديمة، وغيرها، عبر تقنية الترقيع في أعمالها وفقًا للطريقة التقليدية العراقية، غير أنَّها دفعت بعملها إلى التشخيصية الحكائية، وهي تنتج أعمالها كلّها عبر الخياطة اليدوية المحضة، فتُخيط ملابس جديدة من أقمشة قديمة، فتُضفي الملابس المستخدمة في أعمال هواش مضمونًا ومعنىً عاطفيًا.
نظرة جديدة
المتابع لأعمال هوّاش، يلاحظ أنها عكست زخارف التجميع الخاصة بها فنون بلاد ما بين النهرين والفولكلور العراقي، مبتعدةً عن الذاتية في أعمالها، بل انحازت إلى الواقع الاجتماعي للمرأة وشوقها للحرّية والعدالة في مجتمعها.
وفي سؤالنا للفنانة خلود هوّاش عمّا إذا كانت من المناصرين للنسوية بمفاهيمها الحديثة، بعد أن قدّمت المرأة بصور جديدة على التجربة العراقية، أجابت بأَّنها لا تميل إلى هذا المصطلح الذي يبدو بالنسبة للثقافة الشرقية أكثر تطرّفًا، إذ يذهب هذا المصطلح بعيداً في عمق الثقافة الأوربية، لكنَّها قد تتبنَّى من هذا المفهوم الحرّية والعدالة، من دون المساس بالهوية والأعراف الصحّية والمقبولة في المجتمع الشرقي.
وتضيف: لا بأس أن أدافع عن حقوق المرأة التي تشكّل العنصر الأكثر ضعفًا في نسيج المجتمع، لكن ضمن الثقافة الشرقية التي تتبنَّى أعرافًا وقوانين مختلفة، مع رفضنا لأي اضطهاد للمرأة وحرّيتها في ممارسة حياتها الخاصة، ضمن حدودنا المجتمعية، مع تقديم نظرة جديدة على هذه الحدود.
الاحتفاء بالفن
ربّما لم تحقّق هوّاش حضورًا ملحوظًا في الوسط الثقافي العراقي قبل سفرها إلى عمّان، وبعد ذلك إلى أوربا، على الرغم من استلهامها الروح العراقية في هذه الأعمال، لكنّها ترى أن ما تنجزه يعدُّ بأنه لم يُستقبل بشكل أو بآخر في الثقافة العراقية، على الرغم من أنَّها لم تطرح أيّة مفاهيم خارج حدود المجتمع العراقي.
وتوكّد لنا أنَّ أعمالها لم تجد الكثير من القبول في دول مثل العراق وغيره، لأسباب عدّة، أوّلها أن الموضوعات التي تتناولها ما تزال تشكّل حسّاسية مفرطة للمجتمع، ولم تقدّم نفسها بسهولة للمتلقّي العراقي. ثانيًا أنَّ التقنية التي تعمل عليها لم تجد فرصتها الحقيقة في القفز من الحرفية الى الإبداع الخالص، وبالتالي فإنَّ مثل هذه الأعمال تحتاج إلى مجتمع يحتفي بالفن وتنوّعه وعلاقته بالمعاصرة والتراث، وذلك عبر ثقافة اجتماعية ومتحفية وعي، هي بالفعل غائبة تمامًا في العراق.
أمَّا في فنلندا، فقد وجدت هواّش الأمر مختلفًا، إذ يشكّل الفن، بتنوّعه وآلياته المختلفة وموضوعاته الحرّة ومفاهيمه الجديدة، تجربةً خاصة تكون محطَّ اهتمام كبير واحترام واسع. ولاسيّما أنَّ الأمر يبدو أكثر إثارة في أن تنجح في بلد أنت ليس من أبناء ثقافته.
أزياء في لوحة
لم تتوقف هوّاش عند عمل جداريات فنّية مستلهمة من خلال فن الخياطة وتقنية الترقيع، بل قدّمت تصميمات لأزياء طرحتها ضمن بينالي فينيسيا العام الماضي، ضمن مشاركتها في جناح دول الشمال، فصممت أزياءً ارتداها ممثلون وموسيقيون في أوبرا تتحدّث عن الاغتراب والكولونيالية، في عمل فني كتبته الفنانة الصينية- السويدية لاب سين، استلهمت فيه قصصًا لشخصيات أسطورية من هونغ كونغ القديمة. لكنَّ هوّاش وجدت في هذه النص، ارتباطًا واضحًا بين شخصياته وشخصيات من بلاد الرافدين، مثل أوانيس، آلهة الحكمة والتنين في بوّابة عشتار، هذه الأفكار رسمتها وطرّزتها هوّاش على ملابس قامت بخياطتها بنفسها.
وربّما ما هو مثير في هذه التجربة، حسب قول هوّاش، أن "أرى الأشكال الأسطورية وهي تتحرّك في فضاءات العرض مع الموسيقى وتتحدّث وتغني في الوقت نفسه، فكان نتاجًا حيًا لأعمال كانت لا تتعدى العرض على الجدران."