البحث عن جمالية المكان في السينما

زياد الرسام في أطروحة دكتوراه لـلناقد السينمائي الفرنسي ميشيل ماكس رينو، الموسومة (جمالية المكان في السينما والمدينة المثالية)، دراسة معمقة حول المدن السينمائية المعاد اختراعها، التي توفر للمشاهدين وجهات نظر آسرة حول البيئات الحضرية الحقيقية أو المعاد إنشاؤها. ترجم هذه الأطروحة من الفرنسية إلى العربية د. جواد بشارة، وتمت طباعتها في (دار أهوار للطباعة والنشر) ببغداد، وهي تتحدث عن صانعي الأفلام الذين يستخدمون الأحداث الحية بمهارة وإعدادات مصممة بعناية لإثارة المشاعر، وسرد القصص، وإثراء رواياتهم المرئية. مدن حقيقية يستكشف هذا الكتاب كيفية تصوير المدن في السينما، مع التركيز على استخدام المواقع الحقيقية، والإعدادات المصممة للشاشة الكبيرة. تحت عنوان فرعي (المدينة الحقيقية كمجموعة سينمائية)، يؤكد المؤلف أن المخرجين غالبًا ما يختارون التصوير في مدن حقيقية لإضفاء الأصالة على أعمالهم، ذكر فيه بعض الأمثلة الرمزية: نيويورك: المدينة التي لا تنام أبدًا، هي مكان أساسي للعديد من الأفلام. في فيلم (سائق التاكسي) للمخرج مارتن سكورسيزي، تكاد تكون نيويورك شخصية بحد ذاتها، ما يعكس وحدة بطل الرواية وغربته. تضيف اللقطات الواقعية للشوارع المزدحمة وسيارات الأجرة الصفراء وناطحات السحاب عمقًا وصدقًا لا يضاهيان إلى الفيلم. باريس: تم تخليد مدينة الأضواء في أفلام مثل (منتصف الليل في باريس) للمخرج وودي آلن. تلتقط المشاهد التي جرى تصويرها في الموقع جمال باريس وسحرها، بدءًا من شوارعها المرصوفة بالحصى، وحتى معالمها الشهيرة، مثل برج إيفل، وكنيسة القلب المقدس Sacré-Cœur، ما يخلق أجواء رومانسية خالدة. طوكيو: في فيلم (ضائع في الترجمة) لصوفيا كوبولا، جرى تصوير طوكيو بمزيج من الحداثة المبهرة والتقاليد الدقيقة. لقطات واقعية للأحياء الصاخبة وأضواء النيون الساطعة والمعابد القديمة تغمر المشاهدين في عالم العاصمة اليابانية الفريد. مجتمع حضري وفي بعض الأحيان يفضل صانعو الأفلام إنشاء بيئة حضرية للتحكم الفني الكامل، ولأسباب عملية، يمكن أن تكون هذه الإعدادات عبارة عن عمليات إعادة بناء دقيقة للمدن الموجودة، أو إبداعات أصلية تمامًا: متروبوليس: يعد فيلم فريتز لانغ (متروبوليس) (1927) تحفة من روائع التعبيرية الألمانية، مع إعدادات مستقبلية تعكس رؤية بائسة للمجتمع الحضري. جرى بناء الهياكل الضخمة ومناظر المدينة المنمقة في ستوديوهات، ما خلق جوًا قمعيًا لا يُنسى. مدينة غوثام: في سلسلة أفلام (باتمان)، مدينة غوثام هي مدينة خيالية تمزج بين عناصر من مدن حقيقية مختلفة. تُظهِر المجموعات القوطية المظلمة لفيلم (باتمان) للمخرج تيم بيرتون، والفيلم الأكثر واقعية وحداثة لكريستوفر نولان "The Dark Knight" كيف يمكن للديكورات المُصممة أن تبعث الحياة في مدن خيالية بطرق مذهلة. (بليد رانر): ابتكر ريدلي سكوت رؤية مستقبلية للوس أنجلوس في فيلم (بليد رانر) (1982) باستخدام مجموعات ونماذج متطورة. تظل هذه المدينة البائسة، بناطحات السحاب الشاهقة والشوارع الممطرة وأضواء النيون الساطعة، واحدة من أكثر الصور التي لا تنسى للمدينة في سينما الخيال العلمي. أماكن مثالية لا تعمل المدن في السينما كخلفيات فحسب؛ إذ غالبًا ما تؤثر على السرد والشخصيات. مثلًا في فيلم (نوار)، غالبًا ما تستخدم أفلام نوار في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي أماكن حضرية حقيقية لخلق جو من الغموض والخطر، الأزقة المظلمة والإضاءة المتناقضة ومناظر المدينة القمعية، تعزز موضوعات اليأس والقدرية. الأعمال الدرامية الرومانسية: تعد المدن أيضًا أماكن مثالية لقصص الحب. غالبًا ما تُستخدم باريس، بجسورها ومقاهيها الجذابة، كرمز للرومانسية. في (أميلي)، تضيف لقطات (مونتمارتر) بعدًا من السحر والخيال إلى القصة. أفلام الخيال العلمي: تلعب الصور المستقبلية للمدن، مثل تلك الموجودة في فيلم (العنصر الخامس) للمخرج لوك بيسون، دورًا حاسمًا في إنشاء عوالم خيالية. تنقل البيئات الحضرية المعقدة والرؤيوية المشاهدين إلى المستقبل المحتمل، ما يؤدي إلى إثراء تجربة السرد. رموز وآليات أما خاتمة الكتاب فكانت عن تواصل التمثيل وكيفية استمراره، إذ إنه يؤكد أنه يجب أن يأخذ بعين الاعتبار آليات وذاكرة الجمهور الذي يخاطبه ورموزه الثقافية. السينما لا تعيد إنتاج نفسها فحسب، بل تبدع وتجدد، وتعلمت استخدام رموزها وآلياتها، خاصة لتمثيل المدينة. يمكن لدراسة السينما أن تفتح أمام المخططين الحضريين Urbanistes والمتخصصين في مجال التنمية مجالات علمية جديدة من حيث التمثيل والإدراك كمشاركة لواقع المدينة. يؤكد المؤلف في هذا الرسالة على موضوع المدينة والسينما والنظر إليها كمشهد بمعناه التأويلي، ومن هذا المشهد يصبح من الممكن إبراز نموذج، أو نظام الاعتقاد الأساسي أو النظرة العالمية التي توجه الباحث، ليس فقط في اختيار الأساليب، ولكن في الطرق الأساسية وجوديًا ومعرفيًا. (جوبا ولينكولن،1994) هذا النموذج الذي نقترح وصفه ونموذجه، الذي نعرض وظائفه المفاهيمية؛ سوف نشير إليه باسم المدينة المثالية.