100%
بابل / عامر جليل إبراهيم
تصوير/ الأمانة العامة للمزارات الشيعية
على الطريق الرابط بين النجف الأشرف وبابل، تنتصب قبة شاهقة يلفّها السكون والوقار، وتحيط بها المآذن، كما لو كانت تعانق السماء. هنا يرقد الشهيد بكر بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام)، أحد شباب الطف الذين نقشوا أسماءهم في سجل الخلود، بدماء سالت على تراب كربلاء دفاعًا عن الحق والولاء.
واحد من فتيان الطف
يعود نسب الشهيد بكر إلى أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام)، أما والدته فهي السيدة ليلى بنت مسعود النهشلية التميمية، من بيوتات البصرة المعروفة بولائها لأهل البيت. وُلد بكر بعد معركة الجمل، ونشأ شابًا قويًا مخلصًا لله ولأخيه الإمام الحسين (عليه السلام).
استُشهد في واقعة الطف، لكن جثمانه لم يُدفن في كربلاء، بل نُقل إلى مدينة الحلة ودُفن هناك على يد أخواله من بني نهشل، بحسب ما ذكره الشيخ حرز الدين في كتابه (مراقد المعارف). وقد اكتُشف عند القبر حجر أثري يحمل نقشًا بالخط الكوفي: "هذا قبر بكر بن علي بن أبي طالب الهاشمي، كانت وفاته سنة 60 هـ." وجرى الكشف عنه في عام 1902م.
نشاط متواصل
في زيارة لـ"الشبكة العراقية" إلى المزار الشريف، تحدثتا مع الشيخ حامد ناجي الحلي، الأمين الخاص للمزار، الذي أكّد أن المرقد يُعد اليوم من أبرز المعالم الدينية في محافظة بابل، ويقصده الزائرون من مختلف أنحاء العراق وخارجه، خصوصًا خلال شهري محرم وصفر، وفي زيارة الأربعين. وأوضح الشيخ الحلي أن المزار يشهد منذ عام 2019 نهضة عمرانية متسارعة، رغم ما واجهته من تحديات مالية وأمنية، وشملت هذه النهضة بناء القبة والمئذنتين بارتفاع ثلاثين مترًا، وتطوير الصحن الشريف بكسوته بالزجاج والمرايا والنقوش القرآنية، بالإضافة إلى تشييد جامع ومدارس دينية وقاعات للأنشطة المتعددة.
برامج ثقافية
من جهته، أشار السيد علي جواد الموسوي، المعاون الثقافي للمزار، إلى أن النشاطات لم تتوقف بالرغم من استمرار أعمال الإعمار، حيث تُقام المحافل القرآنية ودورات التلاوة والتجويد والنشاطات الدينية والاجتماعية على مدار السنة. وبيّن أن المرقد يشهد ذروة الزيارات في ليالي الجمعة وأيام محرم وصفر، إضافة إلى شهري رمضان وزيارة الأربعين، حين يتوافد الزوار من دول عربية وإسلامية لمواساة ابن أمير المؤمنين وتجديد العهد مع أهل الطف.
رؤية مستقبلية
وفي ما يتعلق بخطط التوسعة، أكد الموسوي أن الأمانة الخاصة للمزار تعمل على تنفيذ مجموعة مشروعات خدمية، من بينها إنشاء فندق للزائرين، ومعمل مياه للشرب، ومطبعة خاصة، فضلًا عن استملاك أراضٍ محيطة للتوسعة، تلبيةً لحجم الزيارات المتزايد ولموقع المزار الستراتيجي الواقع على طريق حيوي رئيس.
وختم الموسوي حديثه قائلًا إن "هذا المقام لا يمثّل مزارًا دينيًا فحسب، بل هو رمز حي لاستمرار نهج عاشوراء، وشاهد على ارتباط الأمة بقضية الحسين (عليه السلام)." مضيفًا: "كل زائر يطأ أرضه، يهمس في سره: لبيك يا حسين، وسلامٌ على من وقف في الطف صغيرًا، لكنه كان كبيرًا في الموقف والمصير."