100%
ضُحى مجيد سعيد
في شمال العراق، تحديدًا إقليم كردستان، لا تنحصر التجربة السياحية في مجرد زيارة طبيعة خلابة أو مصايف باردة، بل تمتد إلى رحلة إنسانية، قوامها الكرم اللامحدود، والتواضع العميق، وحسن الضيافة الذي قد يصدمك بجماله.
من شقلاوة إلى هيران، ومن سوران إلى راوندوز، يجد الزائر نفسه في حضرة أرضٍ لا تُقدّم الجمال فحسب، بل تُشعرك وكأنك ابن هذه المدن، حتى لو لم تكن تعرف أحدًا فيها. هنا، تُصبح كلمات الترحيب مفتاحًا للحكاية، وتُصبح الطبيعة شريكًا في استقبال الزائر.
بداية الحكاية
انطلقت رحلتنا من محافظة أربيل باتجاه شقلاوة، البلدة التي تبعد 51 كيلومترًا عن مركز المدينة، وتُعد واحدة من أولى الوجهات السياحية في شمال العراق، ترتفع شقلاوة عن سطح البحر 1066 مترًا، وتقع على سفح جبل سفين، المكسو بالأشجار الكثيفة والغابات الخضر.
هزار مصطفى رشيد، مدير السياحة في شقلاوة تحدث عن المدينة قائلًا: إن "القضاء يضم ثلاث نواحٍ رئيسة: هيران، وصلاح الدين، وحرير، وتتبع له أكثر من 210 قرى."
مضيفًا: "الطبيعة هنا ليست وحدها ما يجذب الناس، بل روح الناس أنفسهم، الزائر يشعر وكأنه بين أهله."
وبالفعل، لم يكن من المستغرب أن يُقبل علينا أحد السكان المحليين أثناء تجوالنا، ويدعونا لتناول الشاي في حديقة منزله دون سابق معرفة، تلك اللحظة لم تكن استثناءً، بل نمط حياة.
غياب الخطط
رحلتنا قادتنا إلى هيران، الناحية الساحرة الواقعة شمالي شقلاوة، وتُعرف بندرتها السكانية وغناها بالبساتين والغابات. يقول رابر صالح شيره، مدير الناحية: "هيران ليست فقط جمالًا طبيعيًا، بل هي نموذج للتنظيم والإدارة، نحرص على نظافتها، وتوفير الأمن فيها، ونسهّل انسيابية السياحة بكل الوسائل الممكنة."
مشيراً إلى وجود تحديات فعلية، أبرزها "غياب الخطط السياحية، وقلة المشاريع الاستثمارية، وهذا ما نأمل من حكومة الإقليم معالجته."
بالرغم من عدم وجود فنادق في هيران، إلا أن موقعها الجغرافي بين جبل سفين ومركز أربيل، وطقسها المعتدل صيفًا، والثلجي شتاءً، يجعلها مقصدًا على مدار العام، ومناظر الطبيعة هناك كانت كفيلة بأن تحبس الأنفاس، حيث الزوار وهم يتمتعون بمياه الينابيع تحت ظلال أشجار الجوز والتين.
تاريخ وجمال
من هيران إلى قضاء سوران، أحد أبرز المواقع السياحية في شمال العراق، حيث الطبيعة والتاريخ يلتقيان، فسوران تحتضن العديد من المصايف الشهيرة مثل بيخال وكلي علي بك، وهي مصايف لا تنام، تعج بالسياح من كل محافظات العراق، خاصة في فصلي الصيف والربيع.
وسط أصوات الشلالات المتدفقة من بين الصخور الضخمة، التقينا بـ كرمانج عزت، قائممقام سوران السابق، الذي قال: إن "قضاء سوران ليس فقط مركزًا سياحيًا، بل هو إرث تاريخي، ويعود تأسيس المدينة إلى الأمير محمد باشا الراوندوزي عام 1815، حين أراد توحيد الأراضي الكردية لمواجهة النفوذين العثماني والإيراني." مضيفًا: "ما يميز سوران تنوع تضاريسها، فهي محاطة بواديين عميقين، ويخترقها نهر كاوليكان، وتضم أكثر من 346 قرية. وتُعد قلعة (إيج) من أبرز المعالم الأثرية الباقية من زمن الإمارة السورانية."
صوت الطبيعة
محطتنا الأخيرة كانت في قضاء راوندوز، وتحديدًا في منتجع (شنكل بانة)، الذي يبعد نحو 110 كم شمال شرقي أربيل. راوندوز، المدينة القديمة، تُعد من أقدم الأقضية في محافظة أربيل، وكانت سابقًا عاصمة للإمارة السورانية، كما أن الطريق إلى هناك عبر طريق (هاملتون) كان مغامرة بحد ذاته، ويُعتبر هذا الطريق من أعقد الطرق الجبلية وأكثرها جمالًا، حيث يربط أربيل براوندوز ثم إلى الحدود العراقية الإيرانية، وعند الوصول إلى شنكل بانة، شعرنا وكأننا دخلنا مشهدًا من قصة خيالية: جبال شامخة، وغيوم تلامس القمم، وهدوء يخترقه صوت الطبيعة فقط.
السيدة سناء صادق، سائحة من بغداد، تحدثت لـ "الشبكة العراقية" قائلةً بابتسامة واسعة: "ركبنا عربة شنكل بانة، الصغيرة والغامضة، التي سارت بنا على حافة الجبال، بين أشجار الجوز والبندق، وكأنها رحلة معلقة بين السماء والأرض." وأكملت: "فعليًا، أحسسنا ببعض الخوف، لكنها لحظة لا تُنسى، إذ شعرنا بفرح الأطفال ونحن نركض بين الألعاب والزهور البرية، وانتهى بنا المطاف في (شاليه) جميل، تحيطه نافورات المياه وأشجار التين والكمثرى، لقد كانت واحدة من أجمل الرحلات في حياتي."
منتجع (شنكل بانة) أصبح اليوم من أبرز المعالم السياحية في إقليم كردستان، خاصة في فصول الصيف، إذ يتوافد إليه آلاف الزوار، أكثرهم من محافظات الجنوب والوسط، الذين يتبادلون التحايا والضحكات، كما أن اختلاف لهجاتهم يجعل المنطقة وكأنها تجمع العراق بكل تنوعه في مكان واحد.