علي كريم إذهيب /
في ظل التحديات الاقتصادية والمالية التي يواجهها العراق منذ سنوات، برز الاستثمار كأحد الركائز الحيوية لإنعاش الاقتصاد الوطني وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل. ومن هذا المنطلق، سارعت الحكومة العراقية خلال الأعوام الأخيرة إلى إجراء تعديلات جوهرية على قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006، في محاولة لجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية وتحسين بيئة الأعمال. تضمنت هذه التعديلات تسهيلات إجرائية وتشريعية، ووعودًا بإزالة المعوّقات البيروقراطية، وتوفير ضمانات قانونية أفضل للمستثمرين، إلا أن السؤال الجوهري يبقى قائمًا: هل أحدثت هذه التعديلات تغييرًا فعليًا في المشهد الاستثماري في العراق؟ في هذا التقرير، نسلط الضوء على محاور رئيسة تحاول الإجابة عن هذا السؤال، عبر قراءة التعديلات الأخيرة، واستطلاع آراء خبراء الاقتصاد والمستثمرين، وتحليل أداء القطاعات المختلفة، إضافةً إلى كشف التحديات التي ما تزال تُعيق انطلاقة العراق نحو بيئة استثمارية آمنة وجاذبة. الباحث الاقتصادي الدكتور علي دعدوش أكد أن "التعديلات التي أُجريت على قانون الاستثمار رقم (13) لسنة 2006، ولاسيما في المادتين 11 و12 المعدلتين، ساعدت في تحسين البيئة الاستثمارية بشكل ملحوظ، كما أسهمت في جذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، خاصة بعد 2021." موضحًا في حديثه لـ "الشبكة العراقية" أن التعديلات منحت مرونة أكبر للمستثمرين الأجانب، منها السماح بامتلاك المشروعات بنسبة 100 %، وتخصيص الأراضي وتأجيرها طويل الأمد، إضافة إلى الإعفاءات الضريبية والجمركية، وتسهيل إجراءات تملّك الأرض، وتحويل الأرباح بحرية، واعتماد مبدأ (النافذة الواحدة) لتقليل البيروقراطية. القطاعات المستفيدة قطاع الإسكان والتطوير العقاري: بسبب تفاقم أزمة السكن، ودعم الدولة لهذا القطاع، شهدت مشروعات المجمعات السكنية نموًا كبيرًا، مثل مشروع بسماية ومدينة الرفيل، ما أدى إلى ارتفاع رُخص الإسكان بنسبة تفوق 60 % بين 2016 – 2023. قطاع الطاقة، خاصة المتجددة: في ظل توجه الحكومة لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، انطلقت مشروعات مهمة للطاقة الشمسية في المثنى وواسط، بدعم دولي، حيث تم إطلاق أكثر من 10 مشروعات بطاقة تتجاوز 750 ميغاواط بين 2022–2024. الصناعة التحويلية: مع توفر الحماية الجمركية والأراضي الصناعية، ازدادت المشروعات الصناعية مثل مصانع التعبئة والبلاستك والإسمنت، ما أدى إلى نمو بنسبة 35 % في عدد المصانع الجديدة خلال خمس سنوات. الزراعة الذكية والحديثة: بسبب التحديات المناخية والمائية، اتجهت الحكومة نحو دعم الزراعة الذكية وتقنيات الري الحديثة، مثل البيوت البلاستيكية والزراعة بالتنقيط، بدعم من شركات أردنية وهولندية. المدن الاقتصادية والصناعية الجديدة: جرى إنشاء مدن صناعية في ذي قار والفاو، مع توقيع اتفاقيات مع مستثمرين من الصين وتركيا، بفضل توفر البنى التحتية والإعفاءات التي تشجع المستثمرين على الدخول في هذه المناطق. ثقافة الاستثمار بالرغم من الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة التي يمتلكها العراق، لا تزال بيئة الاستثمار تعاني من جملة معوقات تقف حجر عثرة أمام النهوض بواقع الاستثمار الحقيقي، في مقدمتها غياب ثقافة الاستثمار لدى شريحة واسعة من المجتمع. في تصريح خاص لـ"الشبكة العراقية"، أكدت الأكاديمية الاقتصادية الدكتورة سندس العزاوي أن "أهم ما يواجه الاستثمار في العراق هو غياب الوعي الاستثماري، إذ لا تزال ثقافة الاستثمار ضعيفة جدًا، سواء على مستوى الأفراد أو حتى في بعض دوائر الدولة المعنية." وبيّنت (العزاوي) أن "الاستثمار لا يقتصر على المال فقط، بل يشمل بيئة متكاملة من التسهيلات المصرفية، والضمانات القانونية، والتعامل المهني مع المصارف، وهو ما لا يتوفر بشكل كافٍ في الوقت الراهن." وأضافت أن "هناك فجوة كبيرة بين القوانين الاقتصادية والتطبيق العملي على أرض الواقع." مشيرةً إلى أن "كثيرًا من القوانين موجودة لكنها لا تُفعّل، أو تُعطل بفعل الروتين، أو تُشوَّه بسبب الفساد الإداري والمالي المنتشر في مفاصل الدولة." وأشارت إلى أن "ضعف النظام المصرفي يعد أحد أكبر التحديات التي تواجه المستثمرين، إذ إنه يعاني من بطء في الإجراءات، وقلة في الخدمات الحديثة، وانعدام الثقة بين المواطن والمصارف، ما يجعل رؤوس الأموال تبحث عن بيئات أكثر أمانًا خارج العراق." وتابعت العزاوي: "بدون إصلاح حقيقي للبيئة المصرفية، ومراجعة شاملة للسياسات الاستثمارية، وتقديم حوافز عملية، سيبقى المستثمر العراقي والأجنبي مترددًا في الدخول إلى السوق العراقية." واختتمت بالقول: "ما نحتاجه اليوم ليس فقط تعديل القوانين، بل تغيير ثقافي واقتصادي شامل يبدأ من الوعي الشعبي، ويمتد إلى الجهات الحكومية، يعتمد على الشفافية، وسرعة الإنجاز، ومحاربة الفساد بجدية." وبالعودة إلى الدكتور علي دعدوش، فقد أكد أن التعديلات الأخيرة على القانون أثمرت في تحريك السوق، ورفع نسب الاستثمار في قطاعات ستراتيجية. لكنه حذّر، في الوقت ذاته، من استمرار البيروقراطية في بعض المحافظات، وتضارب الصلاحيات بين الهيئة الوطنية وهيئات المحافظات، إضافة إلى عدم التفعيل الكامل للنافذة الواحدة، ما يتطلب إرادة تنفيذية أقوى ومتابعة ميدانية لتحقيق الأثر الفعلي لهذه الإصلاحات. التحديات الأبرز بدوره عدّ الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي التعديلات التي أُجريت على قانون الاستثمار العراقي بأنها "خطوة إيجابية نحو تحفيز رؤوس الأموال المحلية والأجنبية"، مؤكداً أن "البلاد تمتلك فرصاً استثمارية واعدة في مختلف القطاعات، يمكن أن تتحول إلى نتائج اقتصادية ملموسة تدعم الاقتصاد الوطني وتخلق فرص عمل مستدامة." وفي تصريح لـ "الشبكة العراقية"، أشار (الحلبوسي) إلى أن تطوير قانون الاستثمار يمنح العراق فرصة حقيقية لتحقيق إصلاحات قانونية وإدارية واقتصادية تعزز ثقة المستثمرين، سواء من خلال جذب استثمارات جديدة أو توسيع المشروعات القائمة، ما ينعكس إيجابًا على تحريك العجلة الاقتصادية وزيادة واردات الدولة، في ظل معاناة العراق من تحديات اقتصادية كبيرة. لكن ا(لحلبوسي) حذّر من أن هذه التعديلات، برغم أهميتها، لا يمكن أن تحقق النجاح بمفردها، ما لم تقترن ببيئة مستقرة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، وأضاف: "الاستثمار لا ينمو في بيئة متوترة، والمستثمرون بطبيعتهم لا يجازفون في الدول التي تعاني من اضطرابات أمنية أو سياسية." مشيرًا بشكل خاص إلى أن الهجمات الأخيرة على شركات الطاقة باستخدام الطائرات المسيّرة، قد تسببت في إرباك المشهد الاستثماري، وأثرت سلباً على الصورة الذهنية للمستثمر الأجنبي، ما قد يدفع البعض لإعادة النظر في قراراته الاستثمارية. وبيّن أن "مؤشر الفساد في العراق يشكّل عاملًا طاردًا لأية محاولة لجذب الاستثمارات الجادة رغم الإمكانات الحكومية المتواترة لمعالجته." واختتم (الحلبوسي) تصريحه بالتأكيد على أن العراق بحاجة إلى وقت أطول وإجراءات أعمق لبناء بيئة استثمارية مستقرة وجاذبة، مشيرًا إلى أن "الثقة لا تُبنى بالتشريعات فقط، بل بالممارسة والتطبيق وخلق بيئة حاضنة حقيقية تسند القانون وتضمن حماية المستثمر، وتعزز من قدرة العراق على المنافسة في المنطقة."