100%
كولر الداودي
في قلب جبال زاكروس الشاهقة، وتحديدًا في إدارة سوران المستقلة، التابعة لمحافظة أربيل، اكتُشفت نقوشٌ صخرية أثرية نادرة تعود إلى فترات ما قبل التاريخ، تُجسّد مشاهد من حياة الإنسان القديم ونشاطاته اليومية في الصيد والتنقل وتدجين الحيوانات، في دلالة واضحة على أن هذه المنطقة كانت مأهولة منذ آلاف السنين.
متحف طبيعي
بحسب الدكتور عبد الوهاب سليمان، مدير آثار سوران، فقد تم حتى الآن توثيق نحو 35 موقعًا أثريًا صخريًا تحتوي على نقوش وحفر في جبال زاكروس العليا، وتحديدًا في مناطق سوران وجومان وسيدي كان. تعود هذه النقوش إلى العصر الحجري الوسيط (نحو 15 ألف سنة قبل الميلاد)، فيما تعود أحدثها إلى (نحو 6000 سنة قبل الميلاد)، حين بدأ الإنسان بتأسيس القرى وممارسة الزراعة وتدجين الحيوانات.
تُعد سوران من أقدم مناطق استيطان الإنسان، وهي تقع في الشمال الشرقي من محافظة أربيل. وتتميز بطبيعتها الجبلية الخلابة ووديانها العميقة وأنهارها الغزيرة، فضلًا عن القمم الشاهقة. وتضم أقضيةً ذات أهمية ستراتيجية من حيث الموقع والثقل الثقافي، ما يجعلها واحدة من أغنى المناطق الأثرية في الإقليم.
وتشير النقوش الصخرية إلى مشاهد متعددة من حياة الإنسان القديم، مثل صيد الوعول بمساعدة الكلاب، وتنقل الجماعات على ظهور الخيول أو الدواب، إضافة إلى صور الحيوانات المدجّنة كالكلاب والأحصنة والبغال، فضلًا عن الـ(أونيكار)، وهو نوع من الحمير البرية المنقرضة التي كانت تعيش في تلك الجبال.
ومن بين أكثر النقوش إثارة للدهشة ما يُعرف بـ(الفنجانيات) أو (الكوب)، وهي حفر دائرية صغيرة ومنتظمة في بعض الصخور، يراها الباحثون دليلًا على وجود نظام فلكي معقّد استخدمه الإنسان القديم لتحديد الاتجاهات اعتمادًا على مواقع النجوم والكواكب.
التاريخ البشري
يضيف (سليمان): "في الماضي، سُجّل 53 موقعًا أثريًا في دليل المواقع الأثرية في العراق، لكن بعد تأسيس مديرية آثار سوران عام 2006، جرى تسجيل أكثر من 1100 موقع أثري حتى اليوم، تغطي مراحل مختلفة من التاريخ البشري." إلا أن هذه الثروة التاريخية تواجه تهديدات حقيقية، تتمثل في الحفر غير القانوني من قِبل أفراد يعتقدون أن هذه النقوش تدل على كنوز ذهبية مدفونة. لكن (سليمان) يوضح أن "الإنسان في تلك العصور لم يكن قد عرف التعدين بعد، ما يجعل هذه الاعتقادات خاطئة، ويجعل من الضروري عدم الكشف العلني عن مواقع هذه النقوش حفاظًا عليها من السرقة والتدمير."
كنوز تاريخية
في السياق ذاته، يشير إسماعيل باشوري، الموظف في مديرية آثار سوران، إلى أن "الأراضي في هذه المنطقة لا تزال مليئة بالأسرار غير المكتشفة." لافتًا إلى أن "بعض الرعاة والمتسلقين يبلغون بين الحين والآخر عن أحجار وصخور ذات نقوش غريبة، ما يدل على أن هناك الكثيرٌ ما زال لم يُكشف بعد."
وتعمل مديرية آثار سوران، بالتعاون مع حكومة إقليم كردستان، وفق خطة متكاملة تهدف إلى حماية هذه المواقع وتوثيقها، إلى جانب توعية المجتمع المحلي، وتطوير البنية التحتية للسياحة الثقافية، لجذب الزوار من داخل الإقليم وخارجه، وتمكينهم من الاطلاع على هذا الإرث الحضاري الفريد.