من طبول الحرب إلى نقرات الهاتف.. كيف غيّر الإعلان شكل الحياة؟

تحقيقات

من طبول الحرب إلى نقرات الهاتف.. كيف غيّر الإعلان شكل الحياة؟
100%
رجاء الشجيري تعود فكرة صناعة الإعلانات والترويج عن الأخبار والأفكار والبضائع إلى الحضارات القديمة، منذ كان الإعلان بصورته الأولى مسموعًا، إما بنداء الأشخاص بصوتهم العالي في مراكز المدن، أو باستخدام وسيلة الطبول، أو الأبواق، للإعلان عن ضرورة تجمع الناس في مكان أو ساحة معينة معروفة، ليجري إخبار الناس بأمور مهمة تخصهم، سواء في حالة الحرب أو السلم، أو أمور تخص أحوال البلاد. الترويج للإعلان نتقل بعد ذلك عن طريق الكتابة، أو الرسم على الألواح، أو ورق قصب البردي، فقد استخدم الملوك البابليون الإعلانات على الألواح الطينية، التي وجدت محفورة عليها وهي تعد أول شكل من أشكال لافتات المتاجر. كما استخدم المصريون ورق البردي والرسائل والرسومات والملصقات التي وجدت على حيطان البنايات لأغراض تجارية، وكذا الحال مع الحضارة اليونانية والآثار التي وجدت عن استخدامهم للإعلانات. رسوم وصيّاحون إلا أنه في أوربا، خلال العصور الوسطى، لم تكن الكتابة شائعة للجميع ليجري الإعلان من خلالها، لذلك استخدموا بدلًا عنها لافتات مرسومة عليها مهنة صاحبها، أو البضاعة الخاصة به، مثل رسم ساعة أو بدلة أو حذاء أو عطر أو كيس طحين أو خبز.. إلخ. إضافة إلى أنه كان هناك (الصياحون)، وهم من ينادون ويروجون لبضاعتهم صوتًا بين الناس لشرائها. بعد اكتشاف المطبعة تم تسهيل مهمة الإعلانات في الصحف والمجلات، إلا أنها كانت تُسمى وتُنشر تحت اسم (نصائح) أو (كتب الأنباء)، ومحور الإعلانات كان عن الكتب والشاي والقهوة والأدوية والشوكولاتة والأشياء المفقودة. فكان أول إعلان في الصحف لـ(يوحنا جوتنبرغ) عن كتاب له عام 1625م. لتتوالى بعد ذلك الإعلانات. وفي عام 1836م، نشر فيليب ليثبريدج إعلانًا تجاريًا مكتوبًا عن متجره في جريدة (النيويوركر) وقد كان له أثره في الترويج له آنذاك. ثم أخذت الإعلانات في منتصف القرن التاسع عشر بالاعتماد -بشكل أساس- على الصحف والمجلات، ومن ثم في القرن العشرين والتطور السريع عبر البريد المباشر والإذاعة والتلفزيون والسينما والإنترنت والأجهزة المحمولة. أول إعلان للعرب قديما لعل أول قصة عن ملامح الإعلانات عند العرب كانت عبر استخدام أبيات الشعر، من خلال الاستعانة بالشعراء لبيع بضاعة التجار، فكان هناك تاجر من الحجاز قد قدم إلى الكوفة لبيع أغطية الرأس النسائية ذات اللون الأسود، التي كانت تُسمى (الخُمر)، فلم تشترِ النساءُ الخُمر السود منه، فكسدت بضاعة التاجر بكمية كبيرة.. فما كان منه إلا الاستعانة بصديقه الشاعر ربيعة بن عامر التميمي، المعروف بـ (مسكين الدارمي) ليخبره بضرورة أن يساعده في الترويج لبضاعته عن طريق شعره، فاستجاب له بعد توسلاته وكتب فعلًا أبياته الشهيرة: "قل للمليحة في الخِمار الأسود ماذا فعلتِ بزاهدٍ متعبّدِ قد كان شمّر للصلاة إزارهُ حتى قعدتِ له بباب المسجدِ ردّي عليه صلاته وصيامه لا تقتليهِ بحق دين محمدِ" لتنفد بذلك جميع الخُمر السود بعد إقبال النساء وتزاحمهن على شرائها. أول إعلان في تاريخ السينما كان فيلم (القبلة The Kiss) الذي أُنتج من قبل ستوديوهات إديسون (Edison Studios) التابعة للمخترع توماس إديسون عام 1896هو الفيلم الأول سينمائيًا في عرض محتوى إعلاني، إذ يتضمن الفيلم مشهدًا قصيرًا يُعيد تمثيل قبلة من مسرحية موسيقية بعنوان The Widow Jones. وكان المشهد لا تتجاوز مدته 30 ثانية، وذلك لجذب الجماهير لمشاهدة عرض سينمائي، وقد أثار جدلًا واسعًا حينذاك بسبب عرضه لمشهد القبلة، ما جعله علامة فارقة في السينما كوسيلة ترفيهية تتطلب تسويقًا وإعلانات تجارية. أما أول إعلان تلفزيوني، فكان ذلك عام 1941، وهو إعلان عن (ساعة بولوفا) لمدة تسع ثوانٍ، وقد كان قبل مباراة البيسبول بين فريقي (بروكلين دودغرز وفيلادلفيا فيليز)، وجملة المعلق الشهيرة (أميركا تعمل بساعة بولوفا)، ليفتح بعد ذلك الآفاق للإعلانات التجارية في التلفزيون. أفكار مبتكرة الإعلان وأساليب تسويقه، لم تخلُ من أفكار فنية إبداعية تُصاغ بطرح فكرة ما للترويج عن بضاعة ما، ولكن ضمن أدوات طرح لافتة وذكية، أو العكس، وهي السبيل في جذب الزبائن أو النفور منها، فكم منا يتذكر الإعلانات وترويجها المكثف في فترة الحصار المفروض علينا بسبب النظام المباد، فكانت دعاية (البكبك الأصفر) مثلًا، الذي قدم بطريقة حزورة للترويج عن البضائع وغيرها من العصائر و(الشامبوهات).. فهي وسيلة أخذت مداها في التلفزيون والإذاعة والصحف والملصقات على المركبات… إلا أن عملية خلق أفكار الإعلانات، ومدى نجاح استقطاب الزبائن والربح الوفير، لها شركاتها العالمية الأولى دون منافس في السوق، فتعد مجموعة WPP وOmnicom وPublicis وInterpublic من أقوى الشركات التي تميزت بتقديمها وصناعتها لأفكار مبتكرة للإعلانات في العالم دون منازع. لعبة اقتصادية لكن صناعة هذه الإعلانات بدأت تدخل حيز الفرض المزعج للناس، فكم من ضجر يُعلن عند حضور فيلم سينمائي في صالات السينما، حين تجبرك صالة السينما عبر شاشتها أن تشاهد مجموعة إعلانات لمدة ربع ساعة قبل فيلمك الذي اخترته! وكم من تطبيقات، سواء في صفحاتنا الشخصية في الفيسبوك، أو برامج نحتاجها في التصوير والتصميم، وغيرها، عند الدخول إليها تُفرض علينا وجوبًا مشاهدة مكثفة لإعلانات معينة مدفوعة الثمن، بل وعدم استطاعتك مغادرتها لتكمل ما تريد من التطبيق، يُضاف ذلك إلى سلسلة الإعلانات الطويلة جدًا، والشاقة، المفروضة أيضًا خلال مشاهدة المسلسلات الرمضانية مثلًا، فهم يعرضون حلقة ضمن صافي مشاهدة عشر دقائق من المسلسل مقارنة بنصف ساعة أو أكثر إعلانات تتخلل هذه العشر دقائق من زمن عرض مشاهد المسلسل… بالتالي، فسياسة صناعة الإعلانات وترويجها وطرق بثها وفرضها، لها لعبتها الاقتصادية المحسوبة التي تجذب الزبائن بدل النفور ومغادرتها بسبب أسلوب وطريقة الفرض. فالإعلانات، وبعد التقدم التكنولوجي والوسائل الحديثة، سلاح ذو حدين، إما أرباح واقتصاد ناجح، أو خسارة وفرض ملل ونفور من الجمهور واتباع أساليب مضادة للتخلص من الإعلانات في التطبيقات الموجودة والمستخدمة في حياتنا العملية.    

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج