100%
مصطفى جواد جياد
لا شك أن الهجرة غير الشرعية باتت من أبرز مشكلات العصر التي يعاني منها المجتمع الدولي بأسره، لما تنطوي عليه من آثار جسيمة وخطيرة، سواء على صعيد الأفراد الذين يخاطرون بحياتهم ومستقبلهم، أو على صعيد الدول التي يُهاجر منها أو إليها. وقد تعددت التسميات التي أُطلقت على هذا النوع من الهجرة، مثل: الهجرة غير الرسمية، أو السرية، أو غير المنظمة، أو غير المرخص بها، أو غير القانونية، وكلها تصف الهجرة التي تجري خارج الأطر القانونية المعترف بها دوليًا.
وتُعرّف الهجرة غير الشرعية بأنها "محاولة فرد، أو مجموعة من الأفراد، مغادرة بلدهم بصورة غير قانونية، خارج نطاق ما تسمح به التشريعات الوطنية أو القوانين الدولية، بحثًا عن حياة كريمة ومستقبل أفضل، بحسب تصور المهاجر وقناعته." وينتهك المهاجر في هذه الحالة القوانين التي تنظّم التنقل والإقامة، من خلال تجاوزه لمتطلبات الدخول الرسمي أو الحصول على تأشيرة شرعية.
ومن صور الهجرة غير الشرعية، الحصول على سمة دخول (فيزا) مزورة، وهي وثيقة قانونية أساسية تُمنح للراغبين في دخول بلد أجنبي وفق شروط وضوابط دولية معترف بها. إلا أن بعض الأفراد يلجأون إلى تزوير هذه السمات، بهدف تحقيق الهجرة غير المشروعة. وتكمن أبرز دوافع هذه الظاهرة في البطالة، والفقر، وطموح الشباب لتحسين أوضاعهم المعيشية والتعليمية، فضلًا عن فقدان الثقة بالأنظمة السياسية والقانونية في بلدانهم، واستغلال عصابات التهريب والمنظمات الإجرامية لحاجة الأفراد للهجرة.
كما أن لهذه الظاهرة نتائج كارثية، من أبرزها:
* تعريض حياة المهاجر للخطر، سواء بالغرق في البحر أو بالتعرض للعنف والاستغلال.
* ضياع الحقوق القانونية، إذ يُعدّ المهاجر غير الشرعي خارج نطاق الحماية القانونية في البلد المستقبِل.
* صعوبة الاندماج في المجتمع الجديد، بسبب العزلة الاجتماعية والثقافية.
* تفكك الأسر، نتيجة البُعد أو الاعتقال أو الترحيل.
* نمو الجريمة المنظمة، بسبب استغلال المهربين والمزورين.
* تشويه صورة الدولة الأصلية، واعتبارها مصدرًا للهجرة غير الشرعية، ما يُضعف من مكانتها في المجتمع الدولي، كما هو الحال بالنسبة للعراق.
وقد أدرك المُشرّع العراقي خطورة هذه الظاهرة، خصوصًا بعد الإحصائيات التي نشرتها منظمة الهجرة الدولية، التي تشير إلى أن عدد المهاجرين غير الشرعيين إلى أوربا وأميركا، خلال العقد الأخير، قد بلغ نحو 155 مليون مهاجر. ولهذا، يسعى العراق للحد من هذه الظاهرة، باعتباره شريكًا فاعلًا في المجتمع الدولي، عبر سنّ قوانين صارمة، أبرزها:
1. قانون إقامة الأجانب رقم (76) لسنة 2017:
* المادة (8) منه حدّدت شروط منح سمة الدخول، بما يحد من الهجرة غير الشرعية.
* المادة (3 / رابعًا) نصّت على أن دخول الأجانب إلى العراق أو خروجهم منه يجب أن يكون عبر المنافذ الحدودية الرسمية، مع ختم الجواز عند الدخول والمغادرة.
* المادة (39) نصّت على معاقبة قائد وسيلة النقل أو المسؤول عنها إذا قام بإدخال شخص إلى العراق خلافًا للقانون، بالحبس أو الغرامة، أو كليهما.
2. قانون مكافحة الاتجار بالبشر رقم (28) لسنة 2012:
* المادة (5/ ثانيًا / ب) تنص على معاقبة من يرتكب جريمة الاتجار بالبشر باستخدام وسائل احتيالية تصل إلى السجن 15 سنة وغرامة تصل إلى 10 ملايين دينار. ويمكن تطبيق هذا النص على من يحتال على الراغبين بالهجرة من خلال تزويدهم بفيزا مزورة.
3. قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969:
* خصّص المواد (286 – 299) لتجريم التزوير.
* المادة (286) تفرض عقوبة بالسجن على من يزور مستندًا رسميًا بقصد الإضرار بالدولة أو الغير.
* المادة (289) تنص على عقوبة تصل إلى 15 سنة سجن لكل من زوّر محررًا رسميًا.
* المادة (298) تعاقب من استعمل المحرر المزور مع علمه بالتزوير.
إضافة إلى ذلك، فإن من يُضبط متلبسًا بتزوير تأشيرة دخول إلى دولة أجنبية قد يتعرض للعقاب محليًا بتهمة التزوير، ويُمنع من السفر مستقبلًا، وقد يُدرج اسمه ضمن قوائم الحظر الدولية.
تُعد الهجرة غير الشرعية ظاهرة مركبة ومعقدة، تتداخل فيها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتتطلب معالجة شاملة لا تقتصر على الجانبين الأمني والقانوني فحسب، بل تشمل أيضًا تحسين واقع الشباب، وتوفير فرص العمل، وتعزيز ثقة المواطن بمؤسسات بلده. ومن الضروري أن تواصل الحكومة العراقية جهودها في التصدي لهذه الظاهرة، سواء من خلال تطوير التشريعات أو تعزيز التعاون الدولي أو التوعية المجتمعية، لحماية الإنسان وصون كرامته في وطنه قبل أن يُدفع إلى المخاطرة بحياته خارجه.