100%
سجى السعدي
في كل عام، تعود عاشوراء محمّلة بمشاعر الحزن والولاء، تخترق القلوب بأهازيجها وبكائها وشعاراتها. لكن، وسط هذا التفاعل العاطفي الجارف، يطرح كثير من رجال الدين والمفكرين تساؤلات جوهرية: عن أهمية واقعة الطف كمشروع إصلاحي.
هذا هو جوهر النقاش الذي أثاره الشيخ صادق الحسناوي والباحث محمد مهدي البخاري في حديثيهما مع "الشبكة العراقية"، تحدث (الحسناوي) قائلًا: "نحن بحاجة إلى تنشئة دينية مصاحبة للتنشئة الاجتماعية، فالدين له دور أساسي في ضبط المجتمع، كما أشار إلى ذلك المؤرخ والباحث في التاريخ الإسلامي، البريطاني مايكل كوك."
ويرى الحسناوي أن "العائلة مسؤولة عن ربط الأبناء برسالة الإمام الحسين (عليه السلام)، لا عن طريق الحزن فقط، بل عبر فهم حقيقي لثورته." كما يلفت إلى أن "الإسلام لا يدخل فعليًا في تربية الفرد منذ الطفولة وحتى الجامعة، في حين أن الفيلسوف هيجل أكد أن الأسرة، والكنيسة، والمدرسة هي أسس التربية، والدين أساس لوحدة المجتمع. "
ويضيف أن "المجالس اليوم تختزل قضية الإمام الحسين (عليه السلام) في واقعة سنة 61 هـ، بينما الأسباب التي خرج لأجلها الإمام لا تزال قائمة: الظلم، وغياب العدالة الاجتماعية. "
وفي ختام رأيه، يشدد الحسناوي على أن الثورة الحسينية ليست طائفية، بل إن الإمام الحسين (عليه السلام) خرج استجابة لحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من رأى سلطانًا جائرًا، مستحلًا لحرم الله، ناكثًا لعهد الله مخالفًا لسنّة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان ثم لم يُغيّر بقول ولا فعل، كان حقيقًا على الله أن يُدخله مدخله).
في حين جاء في حديث الباحث الديني محمد مهدي البخاري أن "مجالس عاشوراء يجب أن تتحوّل إلى منهج تربوي داخل الأسرة، لا أن تبقى طقسًا عاطفيًا موسميًا. فالعاطفة ليست ضعفًا، بل جسرًا نحو بناء القيم والسلوك، وغرس ذكر الإمام الحسين (عليه السلام) في نفوس الأطفال يجب أن يكون عن طريق تجربة وجدانية صادقة، لا مجرد تلقين."
ويشير إلى أن بعض العائلات بدأت تُعمّق الحضور الحسيني في سلوك الأبناء، لكن ذلك ما يزال محدودًا إذا لم نُدخل "ألم الطفل الكربلائي" إلى وعي الطفل المعاصر، أي أن يعيش مفهوم المظلومية منذ صغره، فيشعر بالمسؤولية تجاه قضايا العدالة والحق. وينتقد البخاري المجالس التي تعرض الإمام الحسين (عليه السلام) كشخصية مأساوية فقط، دون التركيز على أنه حامل رسالة إلهية في العدالة والكرامة. ويرى أن "الاعتداء عليه كان عدوانًا على مقام إلهي يمثل الرحمة والحكمة. أما دور الخطباء، فيجب أن يتطوّر، ولاسيما في خطابهم تجاه الأطفال والناشئة."
ويؤكد على أهمية غرس قيم الإيثار من خلال إشراك الأطفال فعليًا في مواكب الخدمة، لأنهم يتعلّمون منها التواضع والعطاء بالعمل، لا بالكلام.