100%
حليم سلمان
في 21 تموز 2025، وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قرارًا بإلغاء اتفاقية خط أنابيب كركوك–جيهان، الموقعة عام 1973، المنتهية هذا العام.
لم يكن القرار مفاجئًا، لكنه عكس أبعادًا سياسية واقتصادية عميقة، لاسيما في ظل تعقيد المشهد العراقي الداخلي، وتقاعس الدبلوماسية العراقية عن الدخول في مفاوضات جادة مع أنقرة خلال السنوات الماضية.
تسعى تركيا اليوم إلى فرض اتفاق جديد بشروط تصب في صالحها، تشمل رفع رسوم النقل، وتعويضات عن خسائر سابقة، وربما ربط ملف تصدير النفط بقضايا المياه والتجارة. وتستند أنقرة في ذلك إلى تقدير مفاده أن العراق يمر بضعف سياسي واقتصادي، ولا يمتلك بدائل جاهزة، غير أن هذا التصور لا يعكس بدقة حقيقة الخيارات المتاحة للعراق.
القرار التركي ستكون له انعكاسات مباشرة على إقليم كردستان، الذي يعتمد على تصدير النفط عبر هذا الخط، فاستمرار وقف الأنبوب سيعمق أزمته المالية، ويدفع الحكومة الاتحادية إلى إعادة التفاهم مع حكومة الإقليم المحلية للوصول إلى تفاهمات تقلل الخسائر المشتركة.
*ما البدائل المتاحة؟
يملك العراق خيارًا ستراتيجيًا يتمثل بنقل نفط الشمال والإقليم عبر الموانئ الجنوبية، لكن هذا يتطلب جهدًا مضاعفًا في تطوير شبكة الأنابيب الوطنية، وهو مشروع قد يستغرق تنفيذه بين 18 - 24 شهرًا، بحسب تقديرات الخبراء، علمًا أن كلفة تصدير النفط من الجنوب تبلغ نحو نصف دولار للبرميل، مقابل ما يصل إلى 20 دولارًا من الشمال، ومع ذلك، فإن تفعيل هذا البديل يتطلب إرادة سياسية واستثمارًا عاجلًا في البنية التحتية.
*ما المطلوب من بغداد؟
ينبغي على العراق تشكيل فريق تفاوضي سياسي–اقتصادي يتمتع بالكفاءة والدعم السياسي الموحد، للتفاوض مع تركيا على جميع الملفات الحساسة، بما فيها النفط والمياه والتجارة، ويقتضي أن يستند هذا التفاوض على مبدأ المصالح المتبادلة والتوازن، لا إلى المجاملة أو الخضوع.
وعلى نفس النسق، يفترض بوزارة النفط أن تبدأ فورًا بتطوير بدائل نقل النفط نحو الجنوب، وتوسيع طاقة المصافي المحلية، وأن تضع وزارة الموارد المائية خططًا استباقية تحسبًا لاستخدام تركيا ورقة المياه كورقة ضغط في حال تعثرت المفاوضات.
الشرط الأساسي لنجاح العراق في هذه المواجهة هو توحيد الموقف السياسي الداخلي، والتعامل بواقعية مع دولة تركيا كقوة إقليمية تسعى إلى حماية مصالحها، مع الأخذ بالحسبان أن المجاملة الدبلوماسية لم تعد مجدية ومفيدة، والمطلوب اليوم ستراتيجية وطنية شاملة، تربط الملفات بعضها ببعض، وتُوظف الموقع الجغرافي والفرص الاقتصادية للعراق كورقة تفاوضية قوية تحفظ سيادته ومصالحه العليا..