ميساء فاضل /
تُعد "المينيمالية" أو "البساطة المتقنة" أكثر من مجرد تيار جمالي، إذ تمثل فلسفة متكاملة في التصميم والفنون والموضة، تقوم على مبدأ أن "الأقل هو الأكثر". هذا المفهوم يُترجم عمليًا عبر استخدام الحد الأدنى من العناصر البصرية، والتركيز على الشكل والوظيفة، والابتعاد عن الزخرفة المفرطة والتفاصيل غير الضرورية. يهدف الأسلوب المينيمالي إلى خلق مساحات هادئة ومنظمة تعزز الشعور بالسلام والراحة، وتُبرز جمال الأشياء من خلال نقائها وانسيابيتها، ما يجعلها خيارًا مثاليًا لمحبي الأناقة الهادئة والوظيفة العملية. من نيويورك إلى العالم تعود جذور المينيمالية إلى أواخر خمسينيات القرن الماضي في الولايات المتحدة، عندما ظهرت كرد فعل على الحركة التعبيرية التجريدية. وتبلور هذا الاتجاه في مدينة نيويورك، حيث بدأ الفنانون يتجهون نحو التجريد البسيط، متأثرين بمدارس مثل (باوهاوس) و(دي ستايل). في عام 1959، قدم متحف الفن الحديث في نيويورك لوحات الفنان الأميركي فرانك ستيلا، التي اتسمت بسوداويتها وتجرّدها، مُعلنة ميلاد هذا التيار. ومع حلول عام 1965، ترسخ الأسلوب عبر أعمال روبرت موريس، أحد أبرز النحاتين الأميركيين، قبل أن يترسخ رسميًا في المشهد الفني من خلال معرض (الهياكل الأساسية) عام 1966 في المتحف اليهودي بنيويورك. مبادئ المينيمالية يقوم الأسلوب المينيمالي على ثلاثة مبادئ أساسية: * البساطة: من خلال استخدام الأشكال الهندسية الأساسية، وتجنب العناصر الزخرفية. * الوظيفة: إذ تُصمم الأشياء لتكون عملية وسهلة الاستخدام. * الأناقة الهادئة: باستخدام خطوط نظيفة وألوان خافتة مثل الأبيض، والرمادي، والبيج، والألوان الترابية. مجالات متعددة امتد تأثير المينيمالية إلى مجالات شتى، من التصميم الغرافيكي والعمارة الحديثة، إلى الديكور الداخلي وتصميم الأثاث. ويعتمد هذا النمط في العمارة على الخطوط الواضحة والمساحات المفتوحة، بينما يُفضل في التصميم الداخلي استخدام قطع أثاث بسيطة عالية الجودة تعكس الطابع العملي. في عالم الأزياء، أصبحت المينيمالية مرادفًا للأناقة الراقية، حيث تُركز التصاميم على الخطوط النظيفة، والقصّات الواضحة، والأقمشة الفاخرة ذات الجودة العالية. تُستخدم ألوان هادئة ومحايدة مثل الأسود والأبيض والرمادي، ما يمنح إطلالات متزنة وعصرية في آنٍ واحد. تعتمد الموضة المينيمالية على فكرة أن الملابس لا يجب أن تطغى على شخصية مرتديها، بل تُكملها وتبرزها. وهي بذلك تتيح خيارات واسعة دون الحاجة إلى اقتناء عدد كبير من القطع، ما يجعلها مثالية لعشاق الذوق الرفيع والمظهر العملي. أصبح اقتناء قطع مينيمالية مثل المعاطف الفاخرة، والحقائب الجلدية الكلاسيكية، أو القمصان البيضاء البسيطة، استثمارًا ذكيًا، إذ لا تتقيد هذه القطع بصيحات موسمية متقلبة. بل إنها، بجودتها العالية، تصمد لسنوات طويلة، وقد تنتقل من جيل إلى جيل مع حفاظها على قيمتها الجمالية والمادية. فخامة البساطة خلال السنوات الأخيرة، شهدت منصات عروض الأزياء في عواصم الموضة العالمية حضورًا لافتًا للأسلوب المينيمالي، إذ لجأ المصممون إلى تقديم مجموعات تُبرز الحرفية في التصميم، وتُكرّس البساطة كمرادف للفخامة. وقد شملت هذه الموجة الملابس، والإكسسوارات، والأحذية، والحقائب، بلمسات تتسم بالاتزان والديمومة. ورغم تنوع الصيحات وتعدد أنماط القصات والزخارف، تبقى الموضة المينيمالية ملاذًا لأولئك الذين تبنوا رؤية جديدة للأناقة، تقوم على الاستدامة، والبساطة، واحترام الذات. ومن هنا، تعيد دور الأزياء العالمية تقديم القطع الكلاسيكية موسمًا بعد آخر، لتخاطب ذوقًا ناضجًا يرى في القليل جمالًا، وفي البساطة إبداعًا.