نرمين المفتي /
يُقال إن "الفساد يزدهر في حضن النفاق"، وهذه المقولة، وإن لم يُعرف قائلها بدقة، تختصر علاقة معقدة بين سلوكين يتغذى بعضهما على بعض، الفساد الذي يُدمّر أسس العدل والحق، والنفاق الذي يُلبسه ثوب الفضيلة ويُخفيه عن الأنظار. الفساد لا يحتاج فقط إلى أدوات مادية، مثل المال والسلطة، بل إلى غطاء أخلاقي مزيف يُخدّر الضمير العام ويُبطئ عملية المحاسبة. وهنا يأتي دور النفاق، حين تُرفع شعارات النزاهة والشفافية أمام الملأ، في حين تُدار صفقات مشبوهة خلف الكواليس، ويُتستر على المحسوبيات والمحاباة. النفاق يُحوّل القيم إلى شعارات فارغة، تُستخدم كستار لتضليل الجماهير وحماية الفاسدين من الوقوع تحت طائلة القانون. في المجتمعات التي يسود فيها النفاق، تُختطف اللغة نفسها وتُفرغ من معناها. فتتحول مصطلحات مثل (مواجهة الفساد أو مكافحته) إلى رموز خادعة تُخفي نوايا السيطرة والتسلط، وتصبح (مكافحة الفساد) مجرد ذريعة لتصفية الخصوم السياسيين. المسؤولون يصدّرون خطابات مثالية عن الشفافية والعدل، بينما تُوقع العقود السرية وتُمنح الامتيازات للمقربين دون رقابة حقيقية. هنا، لا يكون الفساد حالة فردية أو خرقًا قانونيًا وحسب، بل يتحول إلى بنية ثقافية واجتماعية متكاملة تحمي نفسها من الداخل، وتتغذى على صمت الناس، وخوف الشرفاء، وتواطؤ (المثقفين) ممن يتناغمون مع السلطة أو الذين يخشون فقدان مكانتهم عندها. المنافقون شركاء في الجريمة، ووكلاء للدفاع عنها، وهم صنّاع (السمعة الطيبة) الزائفة للنظام، ويشوهون صورة الحقيقة. إن محاربة الفساد تتطلب أكثر من إصدار القوانين وتشديد العقوبات؛ بل تبدأ بكشف الوجوه المنافقة، وفضح التناقض بين القول والفعل، وتعزيز ثقافة الصدق والشجاعة الأخلاقية في المجتمع. فحين يجف نبع النفاق، تجف معه منابع الفساد. ومتى ما انتصرنا على النفاق، نكون قد فتحنا الطريق نحو مجتمعات أكثر عدلًا وشفافية وكرامة، حيث لا مكان للزيف والخداع، وعندها ستحكمنا قيم الحقيقة والنزاهة.