100%
ترجمة وإعداد / أحمد الهاشم
لسنوات، هيمنت على الخطاب العام مخاوف من أن الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى فقدان الملايين لوظائفهم. لكن الذكاء الاصطناعي قادر أيضًا على خلق فرص جديدة للعمل. كانت عناوين الصحف وتقارير التلفزيون، ومازالت، تحذر من أن الروبوتات ستحل محل أمناء الصندوق والسائقين، وحتى الأطباء.
المشهد المتغير للعمل
اليوم ثمة قصة مختلفة تتشكل: قصة تقدم الأمل والفرص للعاملين في جميع أنحاء العالم. لا يقوم الذكاء الاصطناعي فقط بإلغاء الوظائف؛ بل يخلق مهنًا وصناعات جديدة تمامًا، ويعيد تشكيل سوق العمل بطرق لم نكن نتخيلها قبل عقد من الزمان.
صحيح أن الذكاء الاصطناعي يقوم بأتمتة مهام معينة، خاصة تلك المتكررة، أو التي تتطلب معالجة كميات كبيرة من البيانات. لكن ذلك لا يمثل سوى جزء من الصورة. فالتأثير الحقيقي للذكاء الاصطناعي أكثر دقة وتعقيدًا، وإيجابي أيضًاً.
وفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي، من المتوقع أن يولِّد الذكاء الاصطناعي والأتمتة 97 مليون وظيفة جديدة في هذا العام 2025، وهي وظائف تمتد عبر مجموعة واسعة من الصناعات ومستويات المهارة. ليست هذه الوظائف فقط لخبراء التكنولوجيا؛ بل هي لأي شخص مستعد للتكيف وتعلم مهارات جديدة.
تحوّل وليس اختفاء
لا يقتصر تأثير الذكاء الاصطناعي على عالم التقنية؛ بل هو قوة دافعة تخلق فرصًا وظيفية جديدة ومبتكرة في كل قطاع تقريبًا. بعيدًا عن أدوار مطوري الذكاء الاصطناعي، تبرز وظائف تركز على تطبيق وتسخير هذه التقنيات لتحسين الكفاءة والابتكار.
في الرعاية الصحية، سيساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على تشخيص الأمراض بدقة أكبر، وتصميم خطط علاج مخصصة، وتحليل البيانات الطبية الضخمة. يخلق ذلك طلبًا على متخصصين صحيين يمكنهم العمل بفعالية مع الأنظمة الذكية، وليس استبدالهم بها.
في القطاع المالي والاقتصادي، يعمل الذكاء الاصطناعي على تعزيز التحليل المالي، وكشف الاحتيال، وتقديم مشورة استثمارية متقدمة، ما يتطلب خبراء ماليين قادرين على فهم هذه الرؤى المعقدة وتفسيرها.
أمّا في التعليم، فالذكاء الاصطناعي يمكنه تخصيص مسارات التعلم لكل طالب، ما يتيح للمعلمين التركيز على الجوانب البشرية والإبداعية. وحتى في الزراعة، فإنه يسهم في الزراعة الدقيقة عبر تحليل بيانات التربة والطقس لتحسين الإنتاجية.
تجارة التجزئة: أصبحت إدارة المخزون الذكية وتجارب التسوق المُخصصة هما المعياران الجديدان في تجارة التجزئة، بفضل الذكاء الاصطناعي.
الترفيه: تُحسّن خوارزميات الذكاء الاصطناعي تجارب المحتوى الشخصي، مُغيرةً بذلك طريقة استهلاكنا للوسائط والترفيه.
لا يتعلق الذكاء الاصطناعي بأن تحل الآلات محل العمال فقط؛ بل إنه محرك قوي لتوسيع السوق والنمو الاقتصادي.
مهن جديدة من الـ AI
أحد أكثر التطورات إثارة هو ظهور مهن جديدة تمامًا. على سبيل المثال، أصبح مهندسو التوجيه، أو الأوامر (prompt engineers) مطلوبين بشدة الآن. فهؤلاء المتخصصون يقومون بتصميم وضبط التعليمات المقدمة لأنظمة الذكاء الاصطناعي، لضمان إجابة دقيقة ومفيدة. قبل خمس سنوات فقط، لم تكن هذه الوظيفة موجودة. تشمل الأدوار الجديدة الأخرى محللي البيانات الضخمة، وهم خبراء يقومون بفحص كميات هائلة من البيانات لتحديد الأنماط والتنبؤ بالاتجاهات.
إضافة الى مصممي تجربة المستخدم (UX) وهم محترفون يضمنون أن المنتجات المدعومة بالذكاء الاصطناعي سهلة الاستخدام ويمكن أن تكون في متناول الجميع. وهذه هي بعض المجالات، وليس جميعها، التي يستحدث فيها الذكاء الاصطناعي مهنًا ووظائف جديدة.
وثمة مهندسو معالجة اللغات الطبيعية: وهم متخصصون يساعدون أجهزة الكمبيوتر على فهم اللغة البشرية والرد عليها، ما يدعم كل شيء من روبوتات المحادثة إلى المساعدين الافتراضيين. وهناك أيضًا المختصون في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي: مستشارون يساعدون المنظمات في التعامل مع الأسئلة الأخلاقية والاجتماعية المعقدة التي يثيرها الذكاء الاصطناعي. يُضاف الى ذلك مهندسو الروبوتات: مبتكرون يقومون بتصميم وبناء الجيل المقبل من الآلات الذكية.
التحضير للمستقبل
واليوم، تقدم المنصات الإلكترونية، وبعض الجهات، دورات في علوم البيانات والتعلم الآلي وأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، ما يجعل من السهل، أكثر من أي وقت مضى، للعاملين تطوير مهاراتهم.
لا يمثل صعود الذكاء الاصطناعي شيئًا يجب الخوف منه، بل هو فرصة لتبني التغيير وتعلم مهارات جديدة واكتشاف مسارات مهنية جديدة مثيرة. لا يلغي الذكاء الاصطناعي الوظائف بقدر ما يعيد تشكيلها، جاعلًا التعاون بين الإنسان والآلة حجر الزاوية للمستقبل.