النوّاب والعيسى

اعمدة

النوّاب والعيسى
100%

حسن العاني /

كنا على أبواب الامتحانات الجامعية النهائية، وأستاذ النقد، الكبير الرائع (الدكتور محسن غياض)، الذي لا يسمح لأحد من طلبته أن يتحدث بغير (الفصحى)، يطلب منا الانشغال بقراءة مايعجبنا، ذلك لأننا أنجزنا مادة النقد المقررة، فكيف فاتك، أيها العجوز، أنه الدكتور غياض حين تحاول في درسه حفظ قصيدة بالعامية وتترنم بها لزميلتك في القاعة: [ والشته كله اتعده / والكيظ هم اتعده/ شجاب العشك وشوده / لا بالمحطة رف ضوه/ لاخط اجانه من البعد / لاريل مر عالسدة ]. ويفطن غياض إلى أن القاعة تفوح منها رائحة العامية، ويلقي القبض عليك متلبساً بجريمة التحدث بها، فإذا به لا يتردد عن لعن النواب بالفصحى وعن شتمك بالعامية، والأرق ما زال يختبئ في رأسي، ويعود بي الى أيام الجامعة، نادي الكلية وممراتها ومسراتها.. وما زال النواب، قبل الأرق وفي أثنائه وبعده يسحرني، وقد مر من السنين العجاف حمل بعير، لماذا؟ لأن قصيدة العشق عنده ملغمة بمصائب السياسة، ولأن القصيدة السياسية عنده مطرزة بأريج العشق. أقرأ النواب فيتملكني شعور بأن ما كتبه بالأمس يريد به العصور العراقية جميعها، يرسم بكلمات الغزل حزن العراق: (والكيظ اجانه وانكضه، ورد انكضه، ورد كيظ اجه، والزلف هجرك فضضه، ورد فضضه، وما مش رجه.. وما مش..) فإلى متى: وما مش؟؟ طويل كانتظار الحبيبة، مظلم كقاع البحر وأنا طالب إعدادية الكرخ، اشتري (صلاة لأرض الثورة)، ديوان العيسى سليمان، الذي ينزف وجعاً على مأساة اللغة العربية في الجزائر تحت الاحتلال الفرنسي، ولم تحتفظ حافظتي -على كثرة ما قرأتُ له- بما استشهد به، غير أن العيسى (رحمه الله) حفر في ذاكرتي بضع كلمات.. العيسى يعشق زعيماً عربياً.. يقول له: [ الخطوة الأُولى بدت جبارة]، سليمان العيسى يكافئ تلك الخطوة بقوله: [ صفقت لكْ]. الأرق يفتح بواباته، يذكرني بصديق حملته بين ذراعي كما تحمل الأم وليدها، ويوم ترعرع وكبر في العمر والمنزلة وأنا راضٍ عن سيرته، قلت له: (الخطوة الأولى بدت جبارة)، ثم كافأت خطوته وصفقت له و.. ويسخر الأرق من دوخة رأسي.. ذاكرتي تتشبث بآخر أنفاسها وتسترجع حكاية العيسى الذي اكتشف خيبته بصاحب الخطوة الأولى الذي باهى به يوماً، الخطوة لم تكن (جبارة)، ولا تستحق التصفيق.. هما كلمتان فقط توجزان مأساة العيسى (ورثيتُ لكْ)، وصديقي الذي حملته وصفقتُ له.. عجزت عن وصف خيبتي فيه.. العيسى أنقذني (ورثيتُ لك)، نعم.. رثيتُ له.. والفجر ينهك جسدي والأرق والنواب (والزلف هجرك فضضه، ورد فضضه، وما مش رجه.. وما مش..) فألى متى: وما مش؟!

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج