100%
محسن خليفة
بين الإبداع والتتويج، تبرز إشكالية جوهرية: من يملك الحق في منح الجوائز؟
إنها مسألة تستدعي تقييمًا عادلًا وموضوعيًا للإبداع، وفق معايير واضحة ومحددة. فالجهة المانحة للجوائز تختلف باختلاف السياق؛ فقد تكون جهة حكومية، أو مؤسسة ثقافية، أو منظمة مجتمعية، أو حتى لجنة تحكيم متخصصة. لكن ينبغي أن نتذكر دائمًا أن الإبداع الإنساني لا يُقاس بمعادلات رياضية، بل يُقوَّم وفق ذائقة مجموعة من المحكّمين الذين يضعون إطارًا تقييميًا لاختيار الأعمال الفائزة.
مع أن أماكن التتويج قد تتعدد وتتلألأ أسماؤها، فإن وفرة الجوائز لا تعني بالضرورة جودة في الاختيار. ينطبق هذا تمامًا على المهرجانات الفنية التي تنتشر في العراق بشكل مفرط، ما يطرح سؤالًا جادًا: هل هذه المهرجانات تُعدّ ظاهرة صحية داعمة للفن؟ هل تعكس بالفعل مسارًا صحيحًا يفرز الإبداع الحقيقي؟ أم أنها مجرد منصات لتكريس الرداءة وتوزيع الجوائز وفق أهواء ومصالح؟ في هذا السياق، سألنا عددًا من الفنانين والمختصين.
الثواب والعقاب
يقول الفنان والمخرج غانم حميد إن "مبدأ الثواب والعقاب قانون إلهي يحكم الوجود، وهو حلم الأتقياء في الحياة الأخرى. أما أزمة المبدع العراقي اليوم، فتكمن في غياب التقييمات العادلة نتيجة انعدام القانون المعرفي، وغياب ما أُسميه بالقانون (الأبوي) الناصح."
ويضيف "ضاع الدور الحكومي تحت ذرائع الحرية الجديدة، والابتعاد عن ممارسات النظام الشمولي، وغيرها من المفاهيم التي أبعدتنا عن منطق العدالة الإنسانية والدينية." مبينًا أن "الثواب ضروري لتطور الأوطان ونمو الإنسان، كما أن العقاب جزء لا يتجزأ من منظومة التطوير، لذلك، يجب أن يكون هناك قانون واضح يُنصف المبدع، ويمنحه ما يستحق من تتويج، عبر هيئات نزيهة وجوائز محترمة، بعيدًا عن المزاجية والمحسوبية التي حوّلت الجوائز إلى وسيلة للارتزاق والتزييف."
المؤسسات الفنية
أما المخرج عزام صالح فيُرجع المشكلة إلى غياب دور المؤسسات الفنية في دعم الإبداع، ويقول: "نتيجة لهذا الغياب، سارعت أطراف متعددة إلى ملء هذا الفراغ عبر تنظيم مهرجانات أقرب إلى الاستعراض منها إلى التقييم الفني الحقيقي." موضحًا أن "بعض هذه المهرجانات تموّله علامات تجارية، أو جهات سياسية تستخدم الفن للتسويق لنفسها، معظمها لا يعتمد على استمارات تقييم حقيقية، ولا لجان احترافية رصينة، بل يختار الأقرب أو الأعرف."
ويضيف أن "بعض رؤساء لجان التحكيم يكرَّرون في أكثر من مهرجان، وعلى نفس الأعمال، لذلك يجب أن تُنظّم عملية منح الجوائز عبر لجنة حكومية عليا تضم ممثلين من وزارة الثقافة، وشبكة الإعلام العراقي، وهيئة الإعلام والاتصالات، لضمان المعايير الفنية الرصينة، ومنح إجازات المهرجانات وفق شروط واضحة."
الحق الأكبر
أما الفنان حيدر أبو العباس، فيؤكد أن: "الحق الأكبر في منح الجوائز ينبغي أن يكون بإشراف وزارة الثقافة، أو بتوجيه من رئاسة الوزراء، عبر مستشارها الثقافي، وبمشاركة كوادر متخصصة ذات باع طويل في الدراما."
ويضيف: "كما يجب أن تتألف لجنة الجوائز من مخرجين، وكتّاب، ونقّاد، وصحفيين فنيين، ممن لهم خبرة حقيقية في تقييم الأعمال." مبينًا أن منح الجوائز لشركات أو جهات بلا معيار، يعد مهزلة تستدعي الوقوف عندها.
وتساءل: "لماذا لا تكون مهرجاناتنا بمستوى ما نشهده في الدول العربية من منصات محترفة وتقييم رصين؟"
ودعا أبو العباس الحكومة إلى أن تكلف جهات رسمية، مثل شبكة الإعلام العراقي، لتقييم الأعمال جماهيريًا وأكاديميًا، لضمان منح كل فنان ومبدع حقه الحقيقي.