علي السومري /
لا يمكنك، وأنت تتأمل أعماله، إلا أن تشعر وكأنك في رحلة تغادر فيها لحظتك الآنية، متوجهًا إلى سنوات مرّت بسرعة فائقة. أسلوبه الواقعي، الممزوج بتعبيرية عالية، يثير في المخيلة أسئلة الغياب والوجود. لوحاته المدهشة تصفع الذاكرة، وتوجهها إلى إعادة التفكر بهذه المشاهد العادية في الحياة، الساحرة على قماش إبداعه. فيصل لعيبي، المولود في البصرة عام 1945، الرسام والنحات، الذي طالما آمن بأن للفنون لغة خاصة، تحمل رسالة الفنان إلى أقرانه من البشر. وبالرغم من غربته الطويلة عن بلده العراق، لم يغادره للحظة في مجمل اشتغالاته، رسمًا ونحتًا، إذ تجد فيها مهنًا كانت، ومازالت، علامات واضحة تشير إلى جغرافية المدينة التي أحبها، في لوحاته، لا تُرى فحسب، بل تُشم أيضًا. تشعر ببرودة المكان وأنت تتأمل لوحة (القصاب)، تسمع ثرثرة الجالسين وأنت ترى (الحلاق في صالونه)، تتنفس التبغ في مقاهيه المرسومة بعناية حائك ماهر، وتتلمس خامات الفساتين قرب (الخيّاطة) المنشغلة بظفائرها. سنوات منفاه الطوال لم تجرده من انتمائه إلى وطن طالما ناضل من أجل حريته زمن الديكتاتورية، مكرسًا العديد من أعماله دفاعًا عن كرامة الإنسان وحقه في الحياة. تخرج (لعيبي) في معهد الفنون الجملية ببغداد عام 1968، وفي كلية الفنون الجميلة عام 1970. عمل في الصحافة للفترة من 1966 - 1974، وكان يرسم في مجلة ألف باء وصحيفة الجمهورية، كما اشتغل في مجلَتَي (مجلتي) و(المزمار) في بداية صدورهما عام 1969. سافر بعدها إلى فرنسا عام 1974 لمتابعة دراسته في (الإيكول ناسيونال سوبيريور دي بوزار)، وفي جامعة السوربون بباريس، ويقيم في أوربا منذ إكماله دراسته وحتى الآن. وها نحن نلوح له من بغداد، تلويحة محبة واحتفاء بفنان نذر نفسه للفن والحياة والوطن، فنان وثق حياتنا عبر أعماله الخالدة في المتاحف والذاكرة.