حسين الهنداوي: العقلانية أساس بناء المجتمعات الحديثة

ثقافية

حسين الهنداوي: العقلانية أساس بناء المجتمعات الحديثة
100%
حوار / زياد حسام تميز بجمعه بين التجربة الأدبية والاشتغال الفلسفي والسياسي. بدأ مسيرته من أجواء مدينة الهندية الثقافية، ثم انفتح وعيه في بغداد، وتوسعت تجربته لاحقًا في المنافي، حيث أنجز دراساته العليا، وواصل الكتابة والتدريس. كما عُرف بكتاباته العقلانية والتنويرية، وبسعيه الدائم لتحرير الفكر من الأطر الجامدة، مؤمنًا بان الشعر والفلسفة وجهان لحقيقة واحدة، هو د. حسين الهنداوي، الذي حاورناه عبر هذه السطور: * كيف تصف مسيرتك الأدبية من البدايات الأولى إلى الآن؟ - نشأت منذ الطفولة على علاقة طيبة مع اللغة العربية وحب الثقافة، بفضل والدي الذي كان يرتبط بصداقة وتواصل مع عدد من أبرز أدباء ومثقفي مدينة الهندية (طويريج)، التي كانت من بين أكبر أقضية العراق في القرن الماضي، كالشاعر إبراهيم الشيخ حسون، والشاعر ورائد الغناء الريفي العراقي عبد الأمير طويرجاوي، والشاعر السيد أحمد القزويني، والاديب محمد حسن الكتبي، فضلًا عن صلة القرابة التي كانت تربطه بعائلات متنورة، كآل الحاج إبراهيم، وآل البراك، وآل الحاج جواد، جدي لأمي وخاصة صداقته مع أخيه الحاج باقر، الذي عرف بتوجهه اليساري المبكر. *هل كانت بدايات وعيك السياسي مرتبطة بتلك المرحلة؟ -مع أنني شهدت -يافعًا- تظاهرات في مدينة الهندية تأييدًا لثورة 14 تموز 1958، وأخرى خلال "مؤتمر أنصار السلام"، الذي أقيم فيها، أعقبته صدامات مسلحة تسببت بقتلى في ما عرف بـ(أحداث الهندية). بيد أن ومضات الوعي السياسي لم تبدأ لدي في الواقع إلا بعد انتقالي مع الأسرة، وأنا في الخامسة عشرة من العمر للعيش في بغداد، حيث كان لخالي ستار، عامل النجارة والنقابي في بغداد، تأثير غير مباشر، سرعان ما تراكم مع عملي، أنا نفسي، كعامل نجارة في منطقة (علاوي الحلة)، ثم كعامل مطبعة في شارع المتنبي، حيث لمحت في أواخر 1962 وجود تجمعات سرية صغيرة لـ(شقاوات) مزودين بأسلحة بيضاء ومسدسات، تحضيرًا لاغتيال، أو اعتقال، النقابيين والناشطين اليساريين، كما سيحصل علنًا ومرارًا بعد نجاح انقلاب 8 شباط الأسود 1963. هكذا كان التفتح السياسي، الذي استمر وتشعب وتعقّد. أما الأساس الأدبي فقد بدأ مع المرحلة الثانوية، حيث حالفنا الحظ في 1964 أن يكون أستاذ اللغة العربية في ثانوية الشعب بالكاظمية، الشاعر والمربي اللغوي الراحل الأستاذ مظفر بشير، الذي منحني فرصة إلقاء خواطر وأشعار في دروس المحادثة. ونشرت أولى قصائدي في جريدة (البلد) عام 1965، رغم بساطتها، لكنها شكلت انطلاقة حياتي الشعرية. * ما عوامل انتقالك من كتابة الشعر إلى التركيز على الفكر السياسي والفلسفة؟ -بانتقالي إلى كلية الآداب بجامعة بغداد عام 1966، انطلقت بالشعر بعيدًا، سواء عبر النشر، وخاصة في مجلة (العاملون في النفط)، التي نشرت لي قصائد عدة نالت شهرة واسعة، أو في المهرجانات الشعرية، وخاصة في كلية الآداب، التي اشتهرت بمهرجانها الشعري السنوي الذي يتنافس فيه شعراء الكلية، وكنت (المضطهد) دائمًا بينهم، نظرًا إلى أنني من قسم الفلسفة، بينما كانت اللجنة التحكيمية متكونة من أساتذة اللغة العربية المنحازين الى تلاميذهم بشكل فاضح غالبًا. *هل ترى أن انتقالك للكتابة الفلسفية كان امتدادًا لتجربتك الشعرية، أم أنه انحراف عنها؟ - يظل النص الشعري أصعب أنواع الكتابة على الإطلاق، عندما يكون شعرًا بالفعل، وهذا الأمر أكثر صعوبة بالنسبة للشعر الفلسفي الذي صرت استهدفه بشكل خاص، وبأناة. الانتقال إلى الكتابة السياسية والفلسفية تعزز لدي بعد مغادرتي الوطن هربًا من الاعتقال، في مغامرة محفوفة بالأخطار، إذ كتبت في صحف فلسطينية أولًا، ثم عملت في الترجمة والتأليف في فرنسا، حيث أكملت دراسة الدكتوراه وعملت مدرسًا للعربية والفكر الشرقي. *هل تميزت الكتابة السياسية لديك بطابع جمالي أم أنها ظلت ذات طابع منهجي صرف؟ -الكتابة السياسية سهلة نسبيًا مقارنة بكتابة الشعر، بل هي سهلة جدًا للكاتب المتمكن من أدواته المنهجية والأكاديمية، والشعرية أيضًا، لكن المتحرر منها جميعًا في ذات الوقت. لدي مئات المقالات المهنية الرصينة حول قضايا الساعة المحلية والعربية والدولية، وعشرات البحوث والدراسات في شؤون سياسية أو قانونية، إلا أنها لا تمتلك جميعًا القيمة الجمالية والإبداعية لقصيدة واحدة من قصائدي، في نظري. إنها جهد معرفي (عضلي)، إذا جاز القول، وليس إبداعيًا. متعتي الكبرى الوحيدة هي في الكتابة الفلسفية الإبداعية فعلًا. وهذا ما حاولته في كافة الكتب التي أصدرتها، وبشكل خاص في كتابي (الفلسفة البابلية) و(استبداد شرقي أم استبداد في الشرق) وبالفرنسية (هيغل والإسلام)، وهو ما لم يلاحظه معظم النقاد لدينا، الذين لم يدركوا بعد أن في الاهتمام الفلسفي المتخصص، وفي مرحلة متقدمة نسبيًا من ممارسة البحث الدراسي الأكاديمي أو التقليدي، ينبغي المغامرة على تخطيه نحو نمط جديد من التأمل، الذي ينزع تدريجيًا وتلقائيًا، إنما بقوة أكثر فأكثر وثوقًا، إلى التسامي التام والجذري على القواعد الأكاديمية ذاتها، بالذهاب إلى لحظة الابتكار المتحرر من الموروث المحلي والعالمي، دون القطيعة التامة معهما، لأن الفلسفة تظل كونية بالطبع والغايات. *في كتبك هناك حضور واضح لمفاهيم مثل: العقلانية، التنوير، والديمقراطية .. ما الذي تمثله هذه المفاهيم لك؟ وهل تعتقد أن العقل ما زال مغيبًا في المشهد العراقي؟ -الفكر ينبغي أن يكون حرًا، مهماً كانت النتائج. والحرية تعني العقلانية بالطبع. ومن هنا ضرورة السعي المدني لتحرير الناس من الأحكام الجاهزة والقناعات الجامدة والقيم الاعتباطية والعبودية الفكرية والسياسية بشكل عام. فالعقلانية ليست حركة هدّامة أو متمردة، بل بناءة وإنسانية. أي أنها تريد أن تقيم على أنقاض ما تهدمه من مفاهيم استعمارية، أو متخلفة، أو ضارة، صرحًا جديدًا من المفاهيم التحررية والقيم السامية والتقدمية في نفس الوقت، لأن الفرد بانعتاقه من أسر ومحدودية الأفكار الجامدة، الاستعمارية أو الموروثة، ينطلق نحو امتلاك وعي مدني وطني، وكوني وإنساني حقًا. فعبر إقرار المساواة المطلقة بين البشر، وإحلال الديمقراطية والمساواة والتسامح محل الاستبداد والعبودية والتعصب، يمثّل التمسك بالحريات والديمقراطية رفضًا صريحًا لتجاوز سيادة العقل، أو في تكبيل نزوعه نحو تحقيق جوهره الإنساني والعالمي والحقيقي، وثورة حتمية، لولا انتصارها لما أمكن لأوربا أن تنتقل من عهد المسلمات الراكدة إلى عهدها كـ (عالم حديث)، مهما كانت إخفاقاته الكبرى. أما عن تغييب العقل في إدارة المشهد العراقي، فهذه ظاهرة صادمة، في كل مجال تقريبًا، لكنها مؤقتة، في نظري، إذ لا ما فر من إعلاء دوره إذا ما أردنا الخروج من دوامتنا الراهنة، وهي دوامة لا تقتصر على العراق بداهة، بل يشترك العالم الثالث معه فيها. * كيف تنظر إلى علاقة المثقف بالسلطة؟ هل ترى أن المثقف العراقي لعب دورًا كافيًا بعد 2003؟ -إذا كنت تقصد المثقف التنويري، فأعتقد أن ثمة محنة، بل مأساة، في هذا الشأن. قلة نادرة من يمكن أن نطلق عليهم هذا التوصيف، ولو نسبيًا. والحال بدون مفكرين تنويرين حقيقيين كطه حسين في مصر، أو علي الوردي في العراق، تبدو الثقافة التي يمثلونها أمام خطر كبير، أقله خطر المراوحة في نفس الرتابة، بل وقد تصبح، بسبب عوامل الزمن وقوة تراث النسيان، أمام خطر النكوص وخسارة المكاسب المحققة بفضل نضالات السابقين الشاقة، الذين لن نستطيع تعويضهم في ظل الآليات الثقافية الموجودة، لأن أدوات الإنتاج الثقافي، وهي التعليم ومؤسسات الثقافة العامة والإعلام، تبدو عاجزة عن إنتاج مثقفين في نفس مستواهم، من حيث النضج، بحيث يواصلون الطريق. نعم، إن الثقافة العراقية لم تتوقف عن العطاء والتقدم ومازالت بخير، لكن نحن بحاجة ماسة إلى إعلاء الفكر التنويري في حياتنا الأدبية والاجتماعية والسياسية، مادامت المعركة تبدو من جديد على أشدها مع نزعات التخلف والظلامية الطامعة بالعودة بقوة إلى حياتنا، وبدون تحصينات تنويرية قوية أو دفاعات متينة أو حركات إصلاحية جادة وقوية.

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج