رئيس مؤسسة الشهيد حيدر المبرقع لرعاية الأيتام: حيـــن يتحـــول العمــــل الخيري إلى مشروع لبناء الإنسان

منوعة

رئيس مؤسسة الشهيد حيدر المبرقع لرعاية الأيتام: حيـــن يتحـــول العمــــل الخيري إلى مشروع لبناء الإنسان
100%

وسام الفرطوسي - تصوير / حسين طالب - زيد داود

في مؤسسة الشهيد حيدر المبرقع لرعاية الأيتام، يجد الأطفال والأرامل رعايةً شاملة، تمتدُّ من التعليم والصحة إلى الدعم النفسي والاجتماعي. لا يقتصر عمل المؤسسة على الكفالة، بل يشمل التأهيل المهني عبر ورش عملٍ مختلفة، ما يفتح أمام المستفيدين فرصًا لدخول سوق العمل. كما تُوفر برامج تعليميَّة ورعاية صحية من خلال مستوصف خيري يقدم العلاج والأدوية، لتجعل الرعاية أكثر شمولًا واستدامة.

قيمٌ إنسانيَّة يقودُ المؤسسة سماحة السيد ماجد المبرقع، الذي يسهرُ على توفير الدعم المادي والمعنوي للملاكات التطوعيَّة العاملة في المؤسسة، ويعملُ على تأمين الموارد بالتعاون مع المرجعيات الدينيَّة، والمؤسسات الخيريَّة، والميسورين. جهوده مستمدة من تعاليم النبي محمد "ص"، في الرحمة والإنفاق في سبيل الله، لتكون كل خطوة في المؤسسة مدعومة بالقيم الإنسانيَّة العليا.

من خلال هذه الرعاية الشاملة، لم تقدم المؤسسة للأطفال والأسر المتعففة حياة كريمة فحسب، بل أسهمت في بناء جيلٍ واعٍ قادرٍ على العطاء والإسهام في استقامة المجتمع. كل ابتسامة يتيم، وكل نجاح يُحققه طفلٌ أو أرملة، هو شهادة حيَّة على أنَّ العملَ الخيري المنظم يمكن أنْ يغيرَ الواقع ويزرعُ الأملَ في النفوس.

ولادة المؤسسة تأسست مؤسسة الشهيد حيدر المبرقع في العام 2015، في خضمّ التحديات الكبيرة التي خلفتها الحرب ضد عصابات داعش التكفيريَّة، حين ظهرت أعداد كبيرة من شهداء الحشد الشعبي. ومع هذا الواقع الصعب، برزت الحاجة الملحّة لرعاية أسر الشهداء والأسر المتعففة، ولاسيما أنَّ المجتمع لم يكن يملك قانونًا يوفر الرواتب أو الدعم لهذه الأسر المكلومة.

يشرح سماحة السيد ماجد المبرقع سببَ التأسيس قائلًا: "في البداية، تبنّت المؤسسة رعاية أسر شهداء الحشد الشعبي، ثم توسعت لاحقًا لتشمل عددًا كبيرًا من الأسر المتعففة، لتكون حضنًا دافئًا لكل محتاج." يضيف سماحته "بدأت المؤسسة خطواتها الأولى ببناء مقرها، ومع مرور الوقت توافد أساتذة الجامعات والمتبرعون والميسورون والخيّرون للعمل داخلها، فانتظمت أعمالُها وتوسعت مشروعاتها. ومنذ أنْ كانت ترعى نحو ثلاثمئة يتيم، أصبح اليوم عددُ المستفيدين يصلُ إلى خمسة آلاف، بين يتيم وأسرٍ متعففة، في نموذجٍ يبرز كيف يمكن للعمل الإنساني المنظم أنْ يتحولَ إلى قصَّة نجاحٍ حقيقيَّة في مجتمعٍ يعاني من ويلات الحرب والحرمان."

رعاية شاملة يضيف السيد: "تعدُّ مؤسسة الشهيد حيدر المبرقع اليوم أنموذجًا متكاملًا للعمل الخيري والإنساني، إذ تضم خمسة أقسام رئيسة، أو لجاناً، كلٌّ منها يعملُ بتخصصه لضمان تقديم رعاية شاملة للأيتام والأسر المتعففة."

ويشير: "من بين هذه اللجان اللجنة الصحيَّة، التي تُعنى بتوفير الرعاية الطبيَّة المستمرة للأطفال والأمهات، وتشمل العلاجات الأساسيَّة والمتخصصة، والإشراف على التحاليل والأدوية، لتضمن صحَّة كل مستفيد بشكل متكامل. أما لجنة البناء والإعمار، فقد أسهمت في بناء نحو مئة وثمانين دارًا سكنية، لتأمين مساكن كريمة للأسر المحتاجة، وهو ما يعكسُ التزامَ المؤسسة بتوفير بيئة مستقرة وآمنة لأطفالها."

فرص متساوية وفي صميم عمل المؤسسة، تأتي لجنة التربية والتعليم، وهي القلب النابض لأنشطة المؤسسة. فهي ترعى خمسة آلاف مستفيد من الأيتام والمتعففين، بدءًا من توفير خطوط النقل اليوميَّة من وإلى المدارس، مرورًا بتوفير الملابس والقرطاسيَّة ودروس التقوية، وصولًا إلى متابعة الطلاب حتى التحاقهم بالجامعات. ولا يقتصر دعم المؤسسة على التعليم التقليدي فقط، بل تشمل جهودها أيضًا تأمين مقاعد في المعاهد لذوي الاحتياجات الخاصة، لتضمن لكل طفل فرصة متساوية للنمو والتعلم.

رعاية طبية يقول المبرقع: "في العام 2016، وبين جدران مكتب المؤسسة، جاءتني أمٌ تحملُ طفلًا بين يديها وآخر بجانبها، صغيرًا لا يتجاوز السادسة من عمره، يعاني من تساقط الشعر." قالت الأم بصوتٍ متردد: "أبوهم شهيد، وليس لديَّ المال حتى لشراء الحليب لطفلي." كانت تلك اللحظة بداية فكرة إنشاء مستوصف صحي داخل المؤسسة.

بدأت المؤسسة بتخصيصٍ قاعة كبيرة، وتجهيزها بكل الأدوات الأساسيَّة، من أجهزة الضغط والسكري إلى مستلزمات الرعاية اليوميَّة. وبعدها انضمَّ خمسون طبيبًا مختصًا إلى فريق العمل، جميعهم عبّروا عن فخرهم بالانتماء لهذه المبادرة الإنسانيَّة.

يقول سماحة السيد ماجد المبرقع: "ومع ظهور حالات تتطلبُ عمليَّات جراحيَّة معقدة، تعاونت المؤسسة مع عددٍ من المستشفيات الكبرى، مثل مستشفيي زين العابدين ووارث في كربلاء المقدسة، ومستشفى أمير المؤمنين التابع للمرجعيَّة في النجف الأشرف، فضلًا عن المستشفيات الأهليَّة في بغداد. كل مستشفى خصَّصَ للمؤسسة حصَّة محددة من العمليات الشهريَّة، الأمر الذي جعل الرعاية الطبيَّة شاملة ومتكاملة لنحو خمسة آلاف يتيم ونحو ألفي أم يتيم."

كما يوضح سماحة السيد ماجد المبرقع: "أي عملية عسيرة نحتاجها، نذهبُ بها مباشرة إلى كربلاء المقدسة، بفضل دعم سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، الذي فتح لنا المجال الطبي على مصراعيه." تمكين الأيتام

لا تقتصر رعاية المؤسسة على التعليم والصحَّة فقط، بل تمتدُّ إلى تمكين الأيتام وأمهاتهم ماديًا ومهنيًا. يحتوي القسم المهني على معهدٍ لتعليم أمهات الأيتام الخياطة، إذ توفر المؤسسة ماكينات ومستلزمات الخياطة لتتمكن الأم من العمل وإعالة نفسها وأطفالها. كما تُقام دوراتٌ لتعليم خياطة العباءة العراقيَّة ودورات تضميد، فضلاً عن صالون حلاقة لتعليم الأيتام وأمهاتهم مهنة الحلاقة، مع توفير المحل وكل مستلزماته، فضلاً عن دفع الإيجار لمدة ستة أشهر لتسهيل انطلاقهم في سوق العمل.

ويشملُ القسم المهني أيضًا تدريب الأيتام على الحدادة، والنجارة، وإصلاح الموبايلات، والتأسيسات الكهربائيَّة والصحيَّة، والكثير من المهن الأخرى، ليتمكنوا من الاعتماد على أنفسهم بعد التخرج مباشرة. أما الأيتام المتعلمون، الذين يقرأون ويكتبون، فتضع المؤسسة ثقلها الكبير على الدروس التعليمية ودورات التقوية، من المرحلة الابتدائيَّة حتى الجامعة، وبعد التخرج تسعى المؤسسة، بمساعدة معارفها وأصدقائها، إلى توفير فرص عملٍ وتأمين مستقبلهم بالوظيفة واستقرار حياتهم، مع الحرص على دعمهم في حياتهم الاجتماعيَّة، بما في ذلك الزواج والتأهيل الأسري.

حفظة القرآن إلى جانب التعليم المهني والصحي والتربية والتعليم، تولي مؤسسة الشهيد حيدر المبرقع اهتمامًا بالغًا بـ"حفظ القرآن الكريم". إذ يضمُّ برنامج المؤسسة اليوم نحو ألفٍ وخمسمئة حافظ وحافظة من مختلف الأعمار. يوضح سماحة السيد ماجد المبرقع: "نحن نلحُّ على حفظ القرآن لأنَّ له أثرًا كبيرًا في شخصيَّة اليتيم، فهو يعزز القيم الدينيَّة، والقدرات التعليميَّة، والذكاء، والذاكرة، ويغرس الأخلاق الحميدة. وستجد أنَّ حافظ القرآن متميزٌ في دراسته، ويخرجُ إلى المجتمع شابًا ناجحًا ومؤهلًا للقيادة والمساهمة الفاعلة. "

هذا البرنامج يثبت أنَّ التعليم الديني والقرآني لا يقتصر على الجانب الروحي فقط، بل يمتدُّ ليؤثر بشكل إيجابي في جميع جوانب حياة الأطفال والأيتام.

بناء الإنسان انطلقت (رابطة إنماء الثقافيَّة) التابعة لمؤسسة السيد المبرقع لرعاية الأيتام من روحٍ شبابيَّة مؤمنة بالمسؤولية تجاه المجتمع، لتكون فضاءً جامعًا يهدف إلى إنماء العقول وتنمية الهمم، عبر مشروعات ثقافيَّة وتربويَّة وإنسانيَّة تخاطب مختلف الفئات، من الأطفال إلى الشباب، وتستندُ إلى قيم العطاء والمعرفة. وتسعى الرابطة إلى رفد المجتمع العراقي بطاقاتٍ شبابيَّة واعية ومؤثرة، قادرة على الإسهام في التقدم الحضاري. وتعمل على: * تبسيط الوصول إلى المعرفة وتوفير بيئة ثقافيَّة منسجمة مع التطور. * تعزيز قيم التعايش والتسامح. * دعم الإبداع الشبابي وتحويله إلى طاقة بنّاءة.

وللرابطة أنشطة عدة منها: * للشباب: مبادرات القراءة والندوات الأكاديميَّة واستضافة العلماء، إلى جانب ورشاتٍ تدريبيَّة ومسابقاتٍ ثقافية وبرامج ترفيهيَّة وروحيَّة. * للأطفال: مشروعٌ متكاملٌ يشملُ الدورات الصيفيَّة والبرامج التربويَّة الهادفة، بما يغرس القيم والمعارف منذ الصغر ويؤهلهم للقيادة. * للعمل الإنساني: حملات كسوة الشتاء، ومبادرة (حقيبتي)، ودعم الطلبة الجامعيين، وحملات التبرع بالدم، في إطار تعزيز التكافل والمسؤوليَّة المجتمعيَّة. (إنماء) ليست مجرد رابطة، بل مشروعٌ لبناءِ إنسانٍ مثقفٍ وواعٍ، يجمعُ بين الثقافة والعطاء، ويضعُ أساسًا لمجتمعٍ متماسكٍ قادرٍ على النهوض والتجدد.

زراعة الأمل يقول رئيس المؤسسة السيد ماجد المبرقع: "تعتمدُ مؤسسة السيد الشهيد المبرقع لرعاية الأيتام بالكامل على التبرعات، فهي ليست جهة ربحيَّة ولا تمتلك مصادر دخلٍ أخرى. مصاريف المؤسسة كبيرة جداً، نظرًا لعدد الأيتام المتزايد واحتياجاتهم المتنوعة من تعليم، غذاء، وملابس، إلى جانب الرعاية الصحية اللازمة لهم."

ويضيف "كل يوم جمعة، تستقبل المؤسسة أكثر من مئة يتيم وأم يتيم، وتحرص على توفير الدعم لهم بالشكل الأمثل. يشارك الميسورون في رعاية هؤلاء الأطفال من خلال تكفلهم بالدراسة، والعلاج، والرعاية الصحيَّة، ولاسيما الحالات الصعبة والمزمنة، التي تتجاوز قدرة المؤسسة الماليَّة. هذه المساهمات لا تقتصر على المال فقط، بل تشمل متابعة الحالات والاطلاع على أثر الدعم مباشرة، الأمر الذي يجعل المتبرع جزءًا من رحلة حياة هؤلاء الأطفال، ولا يخفى على أحدٍ فضل رعاية الأيتام، فقد جاء عن رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة." وهو وعدٌ عظيمٌ لكل من يختار أنْ يكون سندًا لهؤلاء الأطفال وأمهاتهم".

ويختم سماحة السيد حديثه بالقول: "ندعو كل من يستطيع إلى القدوم للمؤسسة، والاطلاع على الحالات، والإسهام بما يستطيع. كل تبرع، صغيرًا كان أم كبيرًا، يحدث فرقًا حقيقيًا في حياة طفل محتاج، ويزرع الأمل في قلب أمٍ تتطلع لغدٍ أفضل."

إقــــرأ المــــزيــــــــد

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال
تحقيقات

العلكة الكردية.. سحر الطبيعة وثمرة الجبال

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي
تحقيقات

حين تمتزج الأرض بالتقاليد.. قصة (تنباك الجدول الغربي) الذي يغزو المقاهي

حياة بلا تواصل اجتماعي..  هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟
تحقيقات

حياة بلا تواصل اجتماعي.. هل مازال في وسعنا أن نعيش في العالم الافتراضي؟

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟
تحقيقات

أرصفة بلا مارة.. كيف تحولت شوارع بغداد إلى غابة من التجاوزات؟

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي
تحقيقات

من الورق إلى الكود.. الهوية الجامعية تدخل العصر الرقمي

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"
تحقيقات

العراق: "الدولة والمجتمع خلال قرن"

أبرز الأخبار

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

كيفــ ترد على من يحاول التقليل من شأنك؟

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

يارا خضير: أرقص من أجل السلام

قصة إعدام الفنان صباح السهل

قصة إعدام الفنان صباح السهل

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

السحر الأسود.. يقلق راحة الموتى والأحياء المتاجرة بأدوات غسل الميت وأعضائه

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

صلاح عمر العلي:300 عضو قيادي اختفوا بعد اجتماع قاعة الخلد

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

رنين تبوني: بالشعر.. اهرب من الواقع !

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج

تاريخ ورمزيّة خاتم الزواج